ومن جهتها، عبّرت أصوات سوريّة عن استخفافها بالانتخابات من أساسها؛ إذ، وفقاً لهؤلاء فإن أعضاء القيادة «كلهم ختايرة»، فيما لم يُفسَح المجال أمام الشباب لتولّي الدفة، علماً أن أصغر أعضاء «المركزية» سناً من مواليد عام 1977. كما ينتقد المعترضون تكرار الوجوه نفسها، علماً أن الأسماء المكرّرة في «المركزية»، ما بين عامَي 2017 و2024، بلغت نسبتها حوالى 18% فقط. وهم يرون أن التغيير لا يأتي من «تبديل الملابس الخارجية»، بل هناك حاجة إلى تغيير داخلي للفكر والمنهج السياسي اللذين يقوم عليهما «البعث». وفي ردّه على ما تقدّم، يقول المحلّل السياسي البعثي، علي الجديد، لـ«الأخبار»: «شكّلت الانتخابات الحزبية حالةً متقدّمةً في تاريخ الحزب، كونها تجاوزت مفهوم الديموقراطية المركزية إلى الديموقراطية المباشرة، فكانت خيارات المؤتمرات الحزبية على مختلف مستوياتها هي الأساس بعيداً من أيّ رأي للقيادة الأعلى، ما يشير إلى رغبة وإرادة حقيقيتَين في التغيير، وضخّ دماء جديدة ومنع أيّ وصاية من قيادات تقليدية في الحزب. أمّا الأهم، فكان كلمة الأمين العام للحزب، والتي قُدّم فيها برنامج عمل متكاملاً للبعث على المستويات التنظيمية والفكرية والسياسية، يحتاج تنفيذه إلى الكثير من الجهد والاجتهاد من القيادة الجديدة ومن مختلف المستويات للوصول إلى نتائج حقيقية تعكس إرادة التغيير وتكرّس الإصلاحات الدستورية».
يرى المعترضون أن التغيير لا يأتي من «تبديل الملابس الخارجية»، بل حاجة إلى تغيير داخلي للفكر والمنهج السياسي
وفي كلمته الافتتاحية لأعمال مؤتمر انتخابات اللجنة المركزية، تحدّث الأسد عن «المسؤولية التي تقع على عاتق حزب البعث، وعدم القدرة على فصل تاريخ ودور البعث عن تاريخ سوريا»، معتبراً أن ذلك «ليس ميزة بل مسؤولية كبيرة». واعترف بأنه «بعد 77 عاماً من تأسيس الحزب، هناك الكثير من السلبيات التي تراكمت، إمّا بسبب عدم التطوير، أو بسبب عدم معالجة الأخطاء المتراكمة»، لافتاً إلى أن أكثر ما يُخيف البعثيين «ليس الأعداء مهما تكاثروا ومهما أظهروا من شراسة، ولكن عدم معالجة هذه الأخطاء والتراكمات، لأنها هي التي يمكن أن تؤدي إلى إسقاط الحزب مؤسسةً وعقيدةً». وحاول الرئيس السوري، في كلمته التي امتدت على أكثر من ساعة، وضع نقاط رئيسة لدستور جديد لـ«البعث»، عبر التركيز على النقاط التي يجب الانطلاق منها لتطوير الحزب، كتفسير المفاهيم الأساسية والبنية التنظيمية ودور اللجنة المركزية والنظام المالي، حاثّاً على «إعادة صياغة فكر الحزب بالشكل الذي يتماشى مع عصرنا ولا يخالف انتماءنا».
في المقابل، يشير رئيس «حزب الإصلاح الوطني»، حسين راغب، إلى أن الانتخابات التي جرت في المحافظات أوصلت عدداً من الوجوه النزيهة المشهود لها في الحَراك الوطني على مستوى سوريا، مقابل أسماء غير مقبولة. ويرى راغب، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «كان من الممكن أن تكون النتيجة أفضل بحلّ قيادات الفروع وتشكيل لجان حيادية تقود الانتخابات، ومع ذلك لا يمكن إنكار أن انتخابات دمشق اتّسمت بالنزاهة والشفافية والمصداقية، وتم انتخاب شخصيات نزيهة وأسماء شابة وطموحة ووطنية»، مضيفاً أن «حزب الإصلاح الوطني يأمل من حزب البعث أن يعمل بشكل حقيقي، وفقاً للكلمة التوجيهية لأمينه العام، التي تُعدّ دستوراً حقيقياً للبعث، لما فيها من توجيه لتغيير النهج والمسار وحثّ الموجودين على محاسبة القيادات». ويعترف بأن «الأحزاب السوريّة الجديدة لم تأخذ حتى الآن فرصتها في العمل الحزبي، وهناك تقصير كبير في عملنا بسبب القيود المرفوعة في وجهنا، ونأمل في أن يكون لنا مستقبلاً دور فاعل في التعاون مع البعث في تطوير سوريا، بعد أن أسّسنا قواعد حزبية جماهيرية واسعة وعملاً جاداً».