هل سيدخل سانتا كلوز من المدخنة؟ هل سيزوّدنا بالسلاح؟ نُدَفٌ من الثلج تتساقط ملطّخة بالدم الأبدي والوحل. سفاح أبيض هادئ إلى حدٍّ ما، يحيك للأطفال صوفاً مجعّداً من البرد. أينما كان الصوف وُجدَ التشرّد.
بمئتين وست غزلان وعربة واحدة، يبحث سانتا كلوز عن مدخنة أو عن سطح، يرصد من بعيد الدخان الذي يُنبئ بوجود مدخنة لكنه لا يجد إلا الدمار والرماد. يقترب أكثر فيجد لافتة مكتوب عليها «كل غزة سطح واحد. المدينة كلها صارت مدخنة... أدخل من أينما شئت». من تحت الركام هناك صدى، يسمعه سانتا كلوز: فتش عن لونٍ آخر عزيزي سانتا، فكل الطرقات لونها أحمر، واخلع الصوف عنك، وأجراسك مبحوحة الصوت وصوت القصف أعلى، أعتذر منك، ربما لن نميزك هذه المرة، ولن تجد مكاناً تدخل منه، إنّ المقبرة ليس لها مدخنة.
المتاجرون بآلامنا وأوجاعنا، رسُل الدمار، أولئك الإنسانيون الذين يشبهون رجال المبيعات ومندوبي خدمة الزبائن، يريدون أن يبيعوك رغيف خبزٍ ثم يأكلونه، أولئك الذين يسلطون علينا الكاميرات ويتفرجون على مأساتنا وحروبنا، هم في الحقيقة يخبروننا بأن هذا العالم كذبة أخرى من أكاذيبهم، أما عن قول الحقيقة فهي خطة بديلة لا بأس بها. هذه هي حالنا، وإنها ميزة حقاً أن لا تعلم أين تذهب وإن كنت ستبقى على قيد الحياة. لا وجهة واضحة، التذكرة الوحيدة لدينا تؤمن لنا الركوب في الصف الأول من المعاناة، وكيف نحب أن نموت. يا لهذه الحرية المطلقة! شكراً لهم، لقد خيرونا بين أن نموت قصفاً أو أن نموت جوعاً. كلّ واحد منا أصبح مدخنة عزيزي سانتا، منهم من فقد أباه، ومنهم من فقد أمه، ومنهم من بات في عداد المفقودين. فرجاءً غيّر وجهتك وإياك أن تمكث هنا طويلاً، وإلا فستضطر لذبح غزلانك حتى تأكل. لا أريدك أن تسأل «هل سوف يحرق ضوء القمر قهوتي؟». كنت تقول إن انعكاس الضوء أجمل من الضوء نفسه، هذا الانعكاس الذي يسير بلا تكلّفٍ أبداً.
لسنا دعاة حرب بل دعاة خبز. لا نريد تعاطفك معنا، في قلب كل واحد منا كنيسة تنفجر فتخرج منها الاعترافات الكثيرة، وشتائم طويلة كذلك. دول العالم اتفقت أن عدداً قليلاً من المقاتلين الذين لا يتخطى عددهم أصابع اليد تغلّبوا على القنابل النووية. على كل حالٍ، وحدها الحجارة تملك الهوية والذاكرة. أكاد أقسم لك أنّ رفاقي الاثنَي عشر مروا من هنا، ثم قالوا بصوت عالٍ كما يفعل الملوك: «نظن أن أمهاتكم لم يتكبدوا عناء الدفع لخروجكم من رحمهن». يمكنني أن أؤكد لك يا سانتا أنّ نفاق وسائل الإعلام يجعلهم يصوّرون الحرب وكأنها وثائقي ممتع أو كفيلم أكشن. لكن في المشهد الأخير، فكل هذا محض هراء، فإذا كان هناك ما يُقال فسيكون داخلياً حيث يوشك المرء على سماعه. إننا نخوض محادثة داخلية مليئة بالإنكار، والتعجّب من أن حياتنا وصلت إلى نهايتها، وإننا بالكاد نلاحظ ذلك، فكما تعلم، بالنسبة إلى محتضرين أمثالنا فلا أهمية للأحياء -هكذا إسرائيل وأتباعهم العرب- وما الأسوأ برأيك عزيزي سانتا علاج اللوكيميا، أم اللوكيميا نفسه؟
كيف لنا أن نصنع الذكريات؟ ونحن ننظر إلى صور أولادنا وشعبنا وإلى أشلائنا وكأننا ننظر في بئرٍ؟ هل نرمي حجراً داخل الصورة؟ هل سيستغرق عمراً كاملاً حتى نصل إلى نهاية العالم؟ هل الحجر حجراً أم أنه محض بؤبؤ سقط سهواً من علوّ شأننا عندما لم يدرك أن الذي ينظر بالصورة هو ميّتٌ أصلاً؟
عزيزي سانتا لدينا شجرة واحدة ولن أغادرها أبداً فهي بداية موتي. هل الميلاد هو الموت أم نحن وحدنا كذلك؟ هذا الظل الذي ينتعل حذاءً ضخماً، عندما نبدو ونحن أمواتاً، يبدو أكثر اتزاناً، وثباتاً. لقد كنا محتشمين في جنائزنا، نستعد أن ندخل العالم الآخر بطريقة لائقة. هناك ملاك في كل حكاية، ملاكنا الوحيد هنا هو الموت.
إننا نموت برداً، إن وجدت شجرة الميلاد فأشعلها لنا رجاءً، ودعها تضيء نفسها في وسط هذا البرد الطويل. وإن كنت حقيقياً فإننا نموت جوعاً، فاذبح لنا إحدى غزلانك. وإن فعلت ذلك، فاستعد للموت، سيتم قتلك يا سانتا كلوز، لاشتباههم أنه بحيازتك سلاح الدمار الشامل، تخبئه في ألعاب الأطفال.