بعد الضجة التي أحدثها الممثلان اللبنانيان محمد دايخ وحسين قاووق وإيقاف برنامجهما «شو الوضع» على خلفية الرقابة التي فرضتها عليهما قناة «الجديد»، يعود الثنائي إلى المسرح. «السبعة ودمتها» (تأليف وإخراج: محمد دايخ ـ مشاركة: حسين قاووق، نورهان بو درغام، هالة ذبيان، ماريا ناكوزي وحسين دايخ) يسير وفق إطار مسرحي كلاسيكي، على مستوى الشكل والمضمون، طارحاً قضايا تهم الشعب بطريقة فكاهية. كانت العروض الأولى بمثابة حشد جماهيري غفير من مختلف الطبقات الاجتماعية. لم يكن ذلك مستغرباً، بسبب القاعدة الجماهيرية التي كسبها الثنائي من «اسكتشاتهما» على الشاشة الصغيرة كما على مواقع التواصل الاجتماعي. والأهم لأنّ «السبعة ودمتها» تندرج ضمن إطار المسرح الشعبي، «الذي ينتمي إلى الأعمال السوسيولوجية، أكثر منها الجمالية». حتى إنَّ هذا النوع المسرحي، ظلَّ على مرّ عقود، فناً يتوجه من وإلى الطبقات الشعبية، ومطلباً سياسياً أكثر منه جمالياً.
تبدأ أحداث «السبعة ودمتها»، مع الزوجين اللذيْن لم يلمس أحدهما الآخر، رغم مرور سنة ونصف سنة من الزواج، بسبب تعنّت الزوجة سارة (ماريا ناكوزي). يبلغ التصاعد الدرامي أَوْجَهُ، بعد حضور كل أفراد العائلة الميسورين، إلى عزيمة عشاء عند الزوجين. يخرق الأجواء الدرامية موسى (حسين قاووق) صديق أحد أفراد العائلة، وبيده قنينة ويسكي. يعرّف عن نفسه بأنه أستاذ «بلف ورق الشام». حضور موسى يهدد الصورة الاجتماعية لصاحب المنزل، ابراهيم (محمد دايخ)، الذي يعمل مديراً لإحدى أكبر المحطات الدينية في البلد، وأخيه سليمان (حسين دايخ) المحامي الذي ينكب على حفظ وترديد الأشعار والمقولات الأدبية لأعلام الفكر العربي، على اعتبار أن ذلك يكسبه مكانةً اجتماعية مرموقة. يدعو قاووق أفراد العائلة، إلى أخذ جرعة صغيرة من قنينة الويسكي، تجعلهم يسافرون عبر «الزمكان». هكذا، تتكشّف اندفاعات، وهواجس، ومشاكل، وتاريخ الشخصيات تباعاً، في سياق سردي يكون مرآة للواقع وحقائقه.
في خضمّ الأحداث الشيقة على المسرح، تطرح أسئلة عديدة بشكل تصاعدي، بدءاً من «شرف» المرأة، والتلطّي وراء الدين والشرع، مروراً بالسلاح المتفلّت، وصولاً إلى الطبيعة البشرية كالمثلية الجنسية مثلاً. كما تبث المسرحية عبارات ومقولات من المعجم السياسي والشعبي للبلد: «ما خلونا»، «شو هيي الحزب!»، «فلسطين رح ترجع للبنانية»، «السلاح لي مش طبيعي صار طبيعي».
في البنية الخارجية لـ «السبعة ودمتها»، يبدو أن العمل على بناء الشخصيات، والتفكير في دوافعها، وبنائها السيكولوجي، أخذ حيزاً مهماً في عمل الممثلين. كلهم عملوا على تحضير الشخصية ضمن مسار أكاديمي، وعلمي، ومهني. حسين قاووق أثبت أنه ممثل بارع على الخشبة. لقد خرج إلى حد كبير من شخصية «علي العلي العلوية». استخدم تقنياته الجسدية والصوتية بشكل متقن، لما يخدم شخصية «ابن الشياح والمصبغة». ليونة في الجسد، صوت جهوري، خفة حركية، تنقلات سلسَة على الخشبة وحضور لافت. لقد كان نجم المسرحية من دون منازع. لكن ذلك لا يقلل من أهمية الممثلين الآخرين، تحديداً حسين دايخ، الذي أثبت جدارته في أسلبة شخصيات مجتمعية، وتضخيمها بشكل نافر ومضحك. كان حضور نورهان بودرغام لطيفاً ومحبباً أيضاً. الجميع بدون استثناء قدّموا أسلوباً سهلاً، واضحاً، طبيعياً، بدون تعقيد في الأداء.
أثبت حسين قاووق أنه ممثل بارع على الخشبة، خرج إلى حد كبير من شخصية «علي العلي العلوية»


في ما يخص السينوغرافيا، فقد بدت ضخمة، ومكدّسة جداً. أثاث منزلي كامل على المسرح، تمّ توظيف بعضه لخدمة الدراما والعرض، كالكراسي. أما أغلب الأثاث، كالـ «فيترين»، فقد ظلت وظيفتها تزيينيّة، بدون جدوى. لم يعد محبّذاً، ولم تعد وظيفة الإخراج في العصر الحالي، نقل الواقع وتجسيد تفاصيله بدقة وأمانة. إن وظيفة الإخراج تعدّت ذلك، ووصلت إلى حدود البحث عن رؤية جديدة للواقع. لا يمكننا أن نغفل بعض العناصر النمطية في العرض. بعض المواقف سطحية ومكرّرة (مشهد الزوجين والإغراءات والتقبيل)، وهناك تعابير مبتذلة، وتصرفات ميلودرامية شديدة الوضوح (الصراخ والانفعالات)، ورسالات مباشرة (المواطن اللبناني عايش بلا قيمة)... كل ذلك يجعل هذه العلامات المقروءة والواضحة تخفّف من المستوى الإبداعي للعمل. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنَّ العمل في المسرح، ليس فردياً قط. المسرح هو فنّ جماعي له متطلبات معقّدة، ولا يمكن أن يكون الممثل، والمخرج، والمؤلف، والسينوغراف، والدراماتورج، شخصاً واحداً! أخيراً، كان لافتاً الحضور الجماهيري العفوي للعرض. أتى معظمهم، من بيئة تمّ تهميشها، على مدى عقود، وحُرمت من متعة المسرح، الذي هو لكلّ الشعب.

* «السبعة ودمّتها»: حتى 13 آذار (مارس) المقبل (كل خميس وجمعة وسبت وأحد) ــ «مسرح المدينة» (الحمرا) ـ تباع البطاقات في فروع «مكتبة أنطوان».