«صار وقت الحكي» مع المخرج اللبناني فيليب عرقتنجي الذي يعتلي الخشبة للمرة الأولى! العمل (إخراج لينا أبيض) بوح ممسرح يحكي فيه صاحب «البوسطة» قصّة حياته منذ خمسين سنة في رحلة عبر الزمن، وعرض يفيض بلقطات الفيديو والصور والأغنيات، هو الذي اعتقد والداه أنّه أخرس في طفولته. يروي سيرته بشغف وطرافة وألم، قصّته مع الفرانكوفونية واللغة الفرنسية والحرب الأهلية والمدرسة الداخلية والكتابة وعسر القراءة والحرب النفسية والانتماء والهوية والموسيقى وعلاقته بالصورة والأب والأم والمربّية التي بحث عنها طوال حياته. هو المهووس بالفراشة التي يصعب تصويرها، عاشق بيروت التي جمع أرشيفاً مصوّراً عنها منذ عام 1920، يصل بقصّته إلى فيلم «البوسطة« الذي كتبه عندما كان في الخامسة والعشرين ونفّذه في الأربعين ورفض 22 مرّة ساخراً عروضاً من المموّلين الأجانب، وفخوراً بكونه قدّم فيلماً لبنانياً يكاد يضاهي فيلم «كينغ كونغ» في نسبة المشاهدة... تقول لنا لينا أبيض إنّ العمل بدأ خلال فترة كورونا حين أسرّ لها فيليب عرقتنجي عن رغبته في الوقوف على خشبة المسرح، فشجّعته ودفعته إلى البوح أكثر: «كان يريد إخبار قصص دون أخرى، وكنت أرجوه ليضمّن معظم القصص في العمل المسرحي، كان أخذ ورد لفترة طويلة على النص بحدّ ذاته، فهو الأهمّ بالنسبة إلينا». وتضيف: «هو محترف سينمائياً، وأنا مسرحياً، وكنا نحاول أن يلتقي عالما السينما والمسرح، هو محترف في الكتابة وأنا قدّمت على خشبة المسرح العديد من الاقتباسات، ونحن ننتمي إلى الجيل نفسه والتاريخ نفسه، وعشنا الحرب الأهلية، وكنّا في مدارس فرنسية، قصصنا متشابهة، وهو لديه صعوبة في القراءة والكتابة، ولديّ صعوبة مع الأحرف والأرقام».
يوضح عرتقنجي أنّ القصص كانت تثقل ذاكرته، وكان منسوب الخوف كبيراً بأن لا يكون جديراً بهذه التجربة على المسرح. كان خائفاً من الحديث بجرأة عن أمور حميمة بالنسبة إليه: «شعرت أنّ قصصي شبيهة بقصص غيري، لذا تجرأت وتحدّثت عنها، وخرجت من دائرة الراحة الخاصّة بي والملعب الذي أبرع فيه. لذا أنا الآن أخاطر بصورة كبيرة، لأنّني لستُ متمكّناً من التمثيل وأداء المسرح، لكنّني كنت بين يدين سليمتين. منذ البداية، عرفت لينا أبيض كيف تستمع إليّ. أمضينا سنتين ونحن نتحدّث في مضمون العمل وأهميته. كان النّص أطول بكثير، قصّرنا المضمون لتكون المسرحية ساعة وربع الساعة لا أكثر. تركت الفيديوات والأصوات لأنّه لا يريحني التعاطي مع هذه الوسائط، وفي الوقت نفسه، لا يمكن لمخرج أن يتحدّث عن نفسه من دون أن يعرض صوراً. وكانت النتيجة حواراً جميلاً بين المسرح وشفافيته والفيديوات والأصوات التي اخترعتها وعملت عليها». ويضيف: «يُفاجأ بعضهم بمخرج يعتلي خشبة المسرح. هناك مخرجو سينما مرّوا على المسرح في أوروبا وسواها، وأعتقد أنّني أقوم به للمرة الأولى هنا، وأحبّ اختبار طرق جديدة لأخبر القصص، وأعتقد أنّ الأهم أنّني Storyteller وليس مهماً كيف أخبر القصّة، إذ قدّمت أفلاماً وثائقية عن مواضيع عدّة، منها الزرافة والأمهات في لبنان، والأفلام الروائية لا تشبه بعضها، ففيلم «البوسطة» موسيقي لا يشبه «تحت القصف» الذي تناول الحرب، ولا يشبه «ميراث» ولا «اسمعي». أحبّ أن أختبر نفسي، وأتفهّم أن يقول لي أحدهم أن أجدّد نفسي وأختبر طرقاً جديدة لأخبر القصص المغروم فيها وهي هوايتي».
رحلة عبر الزمن في عرض يفيض بلقطات الفيديو والصور والأغنيات


منتجة المسرحية ميشال فينيانوس تعلّق على مضمون العرض: «تحكي المسرحية عن الذاكرة الجمعية التي لا يجب أن تموت وليست مرتبطة بفترة زمنية، تصلح لكلّ زمان ومكان، وعلينا أن نجعل اللبنانيين يتابعونها، وخصوصاً المغتربين منهم. فيليب تجرّأ وحكى قصّته بكلّ شفافية و«صار وقت الحكي» لكلّ إنسان وليس فيليب فقط. وإذا حكى كلّ منا قصّته واحترمنا قصص بعضنا البعض، لربّما نفهم عندها مَن نحن وتكتمل الصورة. ومَن هو هذا الشعب الغريب الذي ما زال صامداً بالرّغم من كلّ شيء؟ عمري 37 سنة وأنتمي إلى جيل مختلف وأغرمت بنصّ فيليب لأنّه حاكاني أيضاً، ويمكنه أن يحاكي كلّ شرائح المجتمع اللبناني. وهو ليس مسرحيةً بورجوازية. هنا يحكي فيليب عن نفسه، عن فشله، وعذاباته ليصل إلى ما وصل إليه كمخرج، وعن الجهد الذي بذله، وليس أنّه وقّع عقداً مع شركة عالمية، وفي اليوم الثاني صارت الحياة سهلة. نحن نتحدّث عن جيل تعب كثيراً».

* «صار وقت الحكي»: 20:30 مساءً حتى الثاني من تموز (يوليو) ــــــ «مسرح مونو» (الأشرفية) ـــ للاستعلام: 70/626200