ينحو تقرير التنمية الإنسانية نحو تغليب وجهة النظر في إغراء الحكومات والطبقات المسيطرة بوجود مصلحة في القضاء على الجوع، ليس انطلاقاً من رغبة في إصلاح البنى الاقتصادية والسياسات الاجتماعية بل لحماية طريقة عيش الأغنياءتقرير منحاز طبقياً، هذا ما يمكن استنتاجه من اللغة المترفعة التي يستخدمها تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009، في معرض تحليل أسباب الجوع ونتائجه، إذ إن التقرير يعالج الجوع من وجهة نظر أصحاب القصور، ويرى أن الفقراء هم مصدر الخطر، فيما الواقع العربي يشير إلى عكس ذلك تماماً! إذ تحت عنوان «الجوع يقوّض الاستقرار»، يرى التقرير أن «تعاظم الجوع يؤدي إلى مشكلة اجتماعية تهدد النظام الاجتماعي والسياسي»، وينسب التقرير إلى «الوجهة التاريخية» أن الجوعى هم الأكثر ميلاً إلى إحداث الشغب والصدام مع الجماعات الأخرى، أو الهجرة إلى مراكز الكثافة الحضرية، ما يفرض على البنية التحتية فيها مزيداً من الضغط ويسهم في رفع معدل الجريمة!
ويلفت التقرير إلى أن الفساد الصغير يتفّشى في الأجواء التي يضطر فيها الناس إلى فعل أي شيء من أجل لقمة العيش. وعندما تلتفت بعض البلدان إلى بلدان أخرى للمساعدة على إطعام الجوعى في أراضيها، فإنها قد تعرّض سياساتها الداخلية لضغوط خارجية. ورأى التقرير أنه يجب العمل على تطبيق سياسات اجتماعية متكاملة تستهدف معالجة الفقر واللامساواة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، معتبراً أنّ هناك العديد من العوائق في هذا الإطار، وأهمها «النزاعات والاحتلالات في المنطقة وما تنطوي عليه من زيادة في النفقات العسكرية على حساب الإنفاق الاجتماعي، وإخفاق النظام التعليمي في بناء القدرات العلمية والمهنية، وضعف أنساق الخدمات الاجتماعية وتدني مستواها من جراء غياب العناصر القيادية المناسبة، وعدم الكفاءة الإدارية، والعزوف عن تمكين الفئات المستهدفة، وعدك كفاية إجراءات التدقيق والشؤون المالية...».
هم الأكثر ميلاً إلى إحداث الشغب والصدام مع الجماعات الأخرى!
ويخلص التقرير إلى استنتاج آخر وهو أن «الاعتماد على النفط يهدد أمن الإنسان في البلدان العربية»، أما أسباب هذا التهديد، فيشرحها تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009، من منطلق أن الثروة النفطية الخيالية لدى البلدان العربية تعطي صورة مضللة عن الأوضاع الاقتصادية لهذه البلدان، لأنها تخفي مواطن الضعف البنيوي في العديد من الاقتصادات العربية وما ينجم عنها من زعزعة للأمن الاقتصادي للدول والمواطنين على حد سواء. ولفت التقرير إلى أن الاعتماد الزائد على عائدات النفط قد أضعف هيكل الاقتصادات العربية وتركها عرضةً لتقلبات الأسواق العالمية. من هنا اتّخذ النمو الاقتصاديّ مساراً متعرجاً إلى حد كبير خلال العقود الثلاثة الماضية، كما اتّسم بالانخفاض النسبيّ من حيث حصّة الفرد من الناتج المحليّ الإجمالي. وفي موازاة ذلك، تدنّى مستوى الأداء في القطاعات الإنتاجية، وبخاصةٍ في مجال التصنيع، حتى غدا مستوى التصنيع في البلدان العربية أقل مما كان عليه قبل أربعة عقود. وبالنسبة إلى البلدان المنتجة للنفط، يمثّل الانكماش الاقتصادي العالمي الراهن خطراً على الأنماط الجديدة المنفتحة التي استحدثت في مجالات الاستثمار والتجارة، وكذلك في مشروعات التنمية المحلية التي كانت الآمال معلقةً عليها لتحقيق النمو المستدام...
أما بالنسبة إلى الدول غير المنتجة للنفط مثل لبنان، فيختلف الواقع ولا يختلف التقويم، بحيث يشير التقرير إلى أنه على الرغم من الوفرة النفطية والاستثمارات العربية التي تحوّل جزء منها إلى الأسواق الإقليمية فإن التدفقات المالية داخل البلدان العربية غير المنتجة للنفط تتحمل كلفة عالية للطاقة من جراء ارتفاع أسعار النفط المستورد والدعم المكلف الذي تقدمه تلك الدول إلى المواطنين في هذا المجال. وأفاد التقرير أن هناك 65 مليون عربي يعيشون في حالة فقر، ويراوح معدل الفقر العام في لبنان وسوريا بين 28،6% و30% في الحد الأدنى ونحو 59،5% في اليمن في الحد الأقصى، ونحو 41% في مصر، وحسب التقرير فإن معدلات البطالة في الدول العربية وصلت إلى 14،4% من القوى العاملة مقارنةً بـ 6،3% على المستوى العالمي، وتتفاوت البطالة بدرجة ملموسة بين بلد وآخر «إذ تراوح بين 2 في المئة في قطر والكويت ونحو 22 في المئة في موريتانيا».
وأوضح التقرير أن اتجاهات البطالة ومعدلات نمو السكان تشير «إلى أن البلدان العربية ستحتاج بحلول عام 2020 إلى 51 مليون فرصة عمل جديدة ... ويبلغ معدل البطالة بين الشباب في العالم العربي ما يقرب من ضعف ما هو عليه في العالم بأسره.»
ووفقاً لتقرير التنمية الإنسانية فإنه «غالباً ما تنعكس البطالة بصورة غير متوازنة على الإناث، فمعدلات البطالة بين النساء في البلدان العربية أعلى منها بين الرجال وهي من المعدلات الأعلى في العالم أجمع».
ورأى التقرير أن الحصول على وظيفة في الدول العربية لا يعني التحرر من الفقر، ويلفت إلى أن عدد الفقراء يتجاوز عدد العاطلين من العمل، حتى حين يمثّل العاطلون من العمل جانباً كبيراً ممن يعيلون عائلاتهم كما هي الحال في الأردن بحيث تكوّن هذه الفئة 21،5%، وفي اليمن 24،9%.
(الأخبار)