جعلت الأزمة الماليّة من الصين «لوحة قراءة» اقتصاديّات منطقتها، إذ إن معظم الأسواق الآسيوية تتأثر بأدائها. يكفي أن تعلن بكين تراجع صادراتها حتى تنعكس أرقام التراجع على اقتصادات تلك الدول، وخصوصاً «النمور» التي باتت تعيش على وقع نبض «التنين الكبير». تايوان «التابعة» نالت حصّتها وتقلّص اقتصادها بنسبة قياسيةّ بلغت 10.2 في المئة في الربع الأوّل
باريس ـــ بسّام الطيارة
من أكثر الدول المتأثرة بما يحصل في الصين هي تايوان. تلك الجزيرة الصغيرة التي تكلمت باسم الصين الكبرى، مدعومة من الغرب ونكاية بـ«صين ماو» على مدى عقود قبل أن تفرض الواقعية السياسية عودة بكين إلى الساحة الدولية وخروج تايوان من جوقة دول الأمم المتحدة لتصبح «سلطة» تحكم جزيرة يعيش فيها ٢٣ مليون نسمة لها موقع مهم في المجتمع الدولي بسبب اقتصاد مزدهر تربطه بـ«الصين الأم» مصالح مشتركة تفوق بأهميتها وشموليتها النزاع السياسي ـــــ التاريخي.
وإن كانت تايوان تفتقر إلى الموارد الطبيعية، إلا أنّ ناتجها القومي ـــــ بفضل صناعاتها وقوتها التصديرية ـــــ يبلغ ٣٥٥ مليار دولار، وينعكس الناتج الفردي قوة شرائية تفوق ٣٠ ألف دولار، ما يجعل «الصيني التايواني» يحتل المرتبة الـ١٩ في العالم.
وبحسب أرقام وزارة التجارة والاقتصاد، فإن محصلة الاستيراد والتصدير وصلت إلى ٤٩٦ مليار دولار في عام 2008، تبلغ نسبة التصدير منها ٦٤ في المئة، أي في المرتبة السادسة عشرة في العالم، فيما يمثّل الاستهلاك المحلي ٦٤ في المئة من الناتج القومي.
كانت قوة الاقتصاد التايواني تعتمد في السابق على الصناعات التحويليّة بهدف التصدير، ما قاد إلى تراكم احتياطي نقدي هائل في نهاية السبعينيات قبل أن تجري أول نقلة نوعية في مطلع الثمانينيّات معتمدة على تنمية المهارات وحشد رؤوس الأموال المكدّسة لجذب العلماء، ما أدّى إلى نهضة في الصناعات الإلكترونية والرقمية.
وطوّرت الجزيرة تطويراً رائداً صناعات شاشات البلازما والسائل البلوري (LCD) إلى جانب صناعات مكوّنات الحاسوب الشخصي مثل الشرائح الرقمية ورقائق البرامج.
وتشهد تايوان اليوم ثورة تكنولوجيا جديدة مع بدء تطوير صناعات العناية الصحية عن بعد التي تستعمل بكثرة وسائل المعرفة الرقمية، وهو ما يمكن أن يمثّل دفعاً جديداً لتقدمها الصناعي الذي يعتمد على «الهروب إلى الأمام تقنياً» لتعويض تواضع المقدرة من حيث عدد السكان والبعد الجغرافي للجزيرة، وفقاً لما قاله لـ«الأخبار» ممثل تايوان في فرنسا لو تشينغ لونغ، وأضاف أنّ هذا التواضع لا يعني ضعفاً على الإطلاق، واصفاً واقع حال «العلاقات مع الصين» التي باتت تعتمد على «البراغماتية»، بأنه يقود حتماً إلى إفادة متبادلة.
وكان المفاوضون من تايوان والصين قد وقعوا سلسلة من الاتفاقات في الأسابيع الماضية لـ«زيادة التعاون والاستثمار عبر مضيق تايوان» كما ذكر كبير مفاوضي تايوان شيانغ بين كونغ. وعُلم أن تايوان وافقت على فتح المجال أمام الشركات الصينية لكي تقوم بأعمال تجاريّة في تايوان، إضافة إلى زيادة في «عدد الرحلات بين الجزيرة والبر» من ١٠٨ إلى ٢٧٠ رحلة يومياً، إلى جانب التعهد بالعمل معاً لمكافحة الجرائم عبر الحدود. كذلك اتُّفق على إقامة «نظام خاص بالمقاصة».
وتدخل هذه الاتفاقات في إطار ما تسميه الصين «سياسة التعامل مع الأمور السهلة، وصولاً إلى الأمور الصعبة» أي التوجه نحو التعامل الاقتصادي قبل الولوج في القضايا السياسية. وهو ما يفسّره السفير لو بقوله إن الذي فتح باب التعاون هو التوافق على «لاءات ثلاث»: «لا إعلان لاستقلال تايوان، لا توحيد مباشراً ولا استعمال للقوة»، وانطلاقاً من هنا فإن العمل على تطوير التعاون «مفيد للجميع».
وتُعدّ الصين أكبر شريك تجاري لتايوان، ويزيد الحجم الإجمالي لتجارتهما على ١٣٠ مليار دولار سنوياً، إلّا أن الأزمة مرّت من هنا ويواجه الجانبان تراجعاً في الصادرات. وفيما تستطيع الصين الاعتماد على سوقها الداخلية، فإن على تايون، ذات «السوق المشبَعَة»، الالتفات نحو مصادر جديدة مثل قطاع الخدمات الذي بات يمثّل نسبة متزايدة من الناتج القومي (٧٠ في المئة)، وخصوصاً في مجالات الخدمات المالية، حيث تُعدّ تايوان «جديدة في المصلحة» مقارنة مع سنغافورة وهونغ كونغ.
وشهد اقتصاد الجزيرة خلال الربع الأوّل من العام الجاري انكماشاً بنسبة قياسيّة بلغت 10.2 في المئة، مع تراجع الصادرات بنسبة 36.7 في المئة على أساس سنوي. وتتوقّع السلطات حالياً تقلّص الاقتصاد بنسبة 4.5 في المئة خلال العام الجاري.
لكن رغم هذه الأرقام الماكرو الاقتصاديّة السيّئة، انتعشت السوق الماليّة بنسبة بلغت 50 في المئة منذ كانون الثاني الماضي حين بلغت مستواها الأدنى. ويعود ذلك إلى تفاؤل المستثمرين من تحسّن العلاقات التجاريّة مع الصين.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الجزيرة بدأت خلال السنوات الأخيرة تشجّع عمل المؤسسات المتعددة الجنسيات عبر تقديم تسهيلات ضريبيّة، كذلك لفت الانتباه إطلاق بورصة تايوان قبل أشهر «مؤشّر الشريعة الإسلامية» بهدف السعي إلى دخول الأسواق المالية الإسلامية.


الرئيس الشيطان!

لا تزال «سياسة الانفتاح على الصين الأم» التي يتبعها الرئيس التايواني ماينغ جيو تشهد معارضة عدد من التايوانيين. فقد نزل قبل أسبوع عشرات آلاف «المعارضين لتحسين العلاقات بين تايوان والصين» إلى الطرقات احتجاجاً على المنهج الودّي الذي يسلكه الرئيس، في ثالث تجمع حاشد من نوعه على مدار عام منصرم منذ وصول هذا الأخير إلى الحكم. وارتدى المتظاهرون قمصاناً كتب عليها ما ينتقد «بيع تايوان» ويصف الرئيس بأنه «الشيطان»، في ظلّ توصيفات كثيرة تفيد بأنّ سياسة الحكومة تذهب بوتيرة سريعة نحو «اندماج كامل».