Strong>يمكن أن يصل عدد العاطلين من العمل في العالم إلى 250 مليون شخص، وفقاً لتقديرات منظّمة العمل الدوليّة. هذا الواقع الناتج من الأزمة الاقتصاديّة الأخطر منذ الكساد العظيم لن يكون نهاية التداعيات الاجتماعيّة، فرئيس منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أنجيل غوريّا، يحذّر من «أزمة اجتماعيّة منفجرة بالكامل» في غياب «الإجراءات السريعة والحاسمة»«إعادة النموّ العالمي هي أولويّة اقتصاديّة وسياسيّة، لا بل أخلاقيّة واجتماعيّة وإنسانيّة». هذا ما شدّد عليه رئيس منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) التي تعنى بالشؤون الاقتصاديّة للبلدان الصناعيّة، أنجيل غوريّا، في «قمّة اجتماعيّة» لوزراء العمل في مجموعة الدول الثماني العظمى (G8) في روما أمس.
فتداعيات الأزمة الاقتصاديّة التي تعصف بالعالم تمسّ الأوضاع الاجتماعيّة للملايين في العالم. وبحسب توقّعات البنك الدولي، التي كشف عنها رئيسه روبرت زوليك، الأسبوع الماضي، فإنّ الدول النامية وحدها ستواجه في العام الجاري عجزاً في التمويل يتراوح بين 270 مليار دولار و700 مليار دولار.
واللافت هو أنّ بلدان العالم المتقدّم، عليها أيضاً التنبّه إلى جيوش العاطلين من العمل التي تتجمّع في أزقّة مدنها وتؤدّي إلى ارتفاع معدّلات البطالة نحو مستويات مقلقة. ففي الولايات المتّحدة ارتفع المعدّل أخيراً إلى 8.1 في المئة، وسيتخطّى بحسب بعض التقارير الرسميّة حاجز الـ10 في المئة بنهاية العام الجاري، قبل أن «يبدأ الانتعاش». والاقتصاد يمرّ في مرحلة ركود منذ كانون الأوّل 2007، حيث فقد 4.4 ملايين شخص وظائفهم.
وإذا تأخّر الانتعاش وتأخّرت مفاعيل إجراءات التحفيز والإنقاذ التي تعتمدها البلدان الصناعيّة والنامية على حدّ سواء في كبح جماح الركود العالمي، فإنّ «أزمة اقتصاديّة منفجرة بالكامل» ستنشأ وفقاً لغوريّا. وتلك الأزمة سيكون لها «انعكاسات مخيفة على العمّال ذوي الأوضاع الهشّة وعلى العائلات ذات الدخل المتوسّط»، ما يتطلّب من الحكومات «ردّاً سريعاً وحاسماً لأنّنا لا نستطيع بعد الآن التفكير بإنقاذ أنفسنا من دون إنقاذ الآخرين».
وهذه الأزمة تصبح سيناريو أكثر واقعيّة، وخصوصاً مع ازدياد تشاؤم التقارير الدوليّة في شأن معدّلات النموّ. وبحسب منظّمة «OECD» فإنّ نموّ اقتصادات البلدان التابعة لها (مقاساً بالناتج الإجمالي العالمي) سيكون سلبياً خلال العام الجاري، وتبلغ نسبته 4.3 في المئة. وذلك بعدما كانت التقارير في شأن النموّ العالمي قد انتقلت من «الإيجابي بتواضع» إلى السلبي. وقد تحدّث رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك شتراوس ـ كان، عن تقلّص الناتج الكوني بنسبة تتراوح بين 0.5 في المئة و1 في المئة وذلك للمرّة الأولى منذ 60 عاماً.
وهذه الترجيحات تصاغ رغم رزم التحفيز الاقتصاديّة التي أعلن عنها في العالم منذ تحوّل الأزمة الماليّة (أزمة الائتمان) إلى ركود عالمي. وقد انتقد غوريّا تلك الرزم بوصفها غير كافية لتأمين الحماية الاجتماعيّة. وقال: «الخبر السيّئ هو أنّ هذه الموارد الإضافيّة (الموجودة في رزم التحفيز) هي محدودة بالغالب، وتمثّل فقط ما بين 8 في المئة و10 في المئة في الولايات المتّحدة وفرنسا وأقلّ من ذلك في البلدان الأخرى». وهذا الواقع قد يتحوّل إلى «فرصة مهدورة».
والمقلق هو أنّ العديد من البلدان الناشئة لا يتمتّع بشبكات الأمان الاجتماعي كتلك الموجودة في العالم المتقدّم، وتلك الشبكات تعنى أساساً بتقديم الأموال للعاطلين من العمل والذين يمرّون بصعوبات اجتماعيّة، وخصوصاً في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة القائمة. وعلى سبيل المثال، فإنّ الـ25 مليون عامل نازح صيني الذين فقدوا وظائفهم في الفترة الأخيرة عادوا إلى قراهم من المدن الصناعيّة.
وبحسب غوريّا، فإنّ «نحو ربع البلدان النامية الهشّة فقط يملك القدرة على تمويل برامج خلق الوظائف أو برامج شبكات الأمان الاجتماعي».
من جهتها، شدّدت وزيرة العمل الأميركيّة، هيلدا سوليس، على أنّ معدّل البطالة في بعض المناطق الأميركيّة يتجاوز الـ20 في المئة، وتلك «ليست أرقاماً فقط». فهولاء العاطلون من العمل هم «عائلات لديها رهون عقاريّة تسدّدها، وأطفال لرعايتها وتخطيط للتقاعد. هؤلاء هم عمّال يستحقّون الأمان الاقتصادي».
وبشكل عام، فإنّ معدّلات البطالة في جميع بلدان منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية تتجه لتجاوز الـ10 في المئة بحلول عام 2010، عدا اليابان، وذلك مقارنة بمعدّل بلغ 5.6 في المئة في عام 2007. وهنا تنشأ حلقة تراجع الطلب والإنتاج، وبالتالي الركود وفي مرحلة أكثر سوءاً الكساد.
وهذه الحلقة قد تصبح أكثر خطورة إذا لم تكن معدّلات الإنفاق الاجتماعي عند المستويات المطلوبة. وحتّى معدّلات «الحقن الحكوميّة». وهنا تبرز المسؤولية الكبيرة على كاهل زعماء بلدان مجموعة العشرين (G20) الذين سيجتمعون في لندن الخميس المقبل، في ظلّ انقسامات بين ضفّتي الأطلسي حول جدوى خطط التحفيز الجديدة أو عدم ضرورتها.
(الأخبار)


حماية ضروريّة

شدّد وزير العمل الإيطالي، موريزيو ساكوني، الذي يستضيف قمّة «G8» لمدّة 3 أيّام، على أنّ السياسات الاجتماعيّة يمكن أن تحفّز التعافي الاقتصادي. وقال وفقاً لما نقلته وكالة «فرانس برس» «الإجراءات مطلوبة في ما يتعلّق بحماية الأشخاص الذين أضرّت بهم الأزمة». وأضاف: «لذا، فإنّ السياسات الاجتماعيّة هي ضروريّة، وهي تستطيع إعطاء زخم للتعافي الاقتصادي لأنّ الأساس هو إعادة ثقة الأشخاص بالمستقبل». وذلك فيما تشهد البلدان الأوروبيّة تحضيرات لتظاهرات ضخمة ضدّ قمّة «G20» التي تستضيفها العاصمة البريطانيّة بعد يومين.