strong>منتدى دافوس كان باهتاً هذا العام، فالمدافعون عن «العولمة القائمة» باتوا أقل ثقة بقدرتهم على تحقيق أفكارهم بعدما أطاحتها الأزمة العاصفة في العالم... فيما دعاة «العولمة البديلة» الذين التقوا في البرازيل بدوا حذرين جداً، بل قلقين من عدم قدرة الشعوب على فرض خيارات مختلفة على حكوماتها
عجز الرؤساء والوزراء وأرباب العمل المشاركون في المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي اختتم أعماله السبت في دافوس، عن إخفاء قلقهم في مواجهة الأزمة التي تهدد العولمة، ما جعل الاهتمام بهذا المنتدى أدنى بكثير من السنوات السابقة عندما كان هؤلاء يجتمعون بكل فخر للاحتفاء بإنجازاتهم في جر العالم كله إلى نوع من العولمة «الشريرة». في هذا الوقت، كان أكثر مئة ألف من الداعين إلى عولمة بديلة، الذين التقوا في الأمازون في إطار المنتدى الاجتماعي العالمي المواجه لمنتدى دافوس، يرفعون بثقة أكبر من السابق شعارهم: «عالم مختلف ممكن»، لكن مع الإقرار بصعوبة تطبيق هذا الشعار في ظل التداعيات الخطيرة التي تتركها أزمة الرأسمالية... إذ حذر المفكّر البرازيلي المعروف أمير سادر من أنه «إذا لم يقدّم المنتدى الاجتماعي العالمي ردوداً على أزمة الليبرالية الجديدة من أجل تحقيق السلام في العالم وإرساء نماذج بديلة فإن الزمن سيتجاوزه».
وكان رئيس مركز القارات الثلاث (مقره في بلجيكا) فرانسوا هوتار أكثر وضوحاً في تحذيره عندما قال إن «الأزمة تضعنا أمام تحدّ ضخم ينطوي على تداعيات عديدة... فإمّا أن يعاني الناس إلى حد لا يكونون معه غير قادرين على التحرك، وإمّا أن تظهر حركات تمرد أو مقاومة منظمة للنظام»، مشيراً إلى وجود أمثلة كثيرة على نجاح المقاومة، إذ إن منطقة التبادل الحر بين دول القارة الأميركية لم تر النور أبداً بفضل ضغوط الحركات الشعبية التي تعارضها.
ورأى البرازيلي تشيكو ويتاكر أحد مؤسسي المنتدى الاجتماعي العالمي أن «الأزمة المالية أكدت ما سبق أن أثبتته الحركة البيئية وهو أن النظام الرأسمالي نظام انتحاري. وعلينا أن نغتنم فرصة التشكيك فيه كي يدرك مزيد من الناس ضرورة تغيير النظام بعمق».
وجرى تنظيم أكثر من ألفي ندوة وجلسة نقاش ومحاضرة خلال الأيام الخمسة التي استغرقها المنتدى الاجتماعي العالمي من الأربعاء إلى الأحد، تناولت معظمها تحدّيات «ما بعد الرأسمالية»، وطرحت مئات المنظمات المشاركة أفكاراً ترمي إلى: فرض ضريبة على التعاملات المالية الدولية تخصص للدول الفقيرة، وإلغاء ديون العالم الثالث، وإقامة تجارة منصفة واقتصاد متضامن.
ولأول مرة في المنتدى الاجتماعي العالمي لم يعبأ المشاركون كثيراً بقمة دافوس، التي يراها دعاة العولمة البديلة «فشلاً» لأنها تمثل في نظرهم رمز الرأسمالية المتعثرة، ورأى منظم المنتدى كانديدو غريزبوسكي أن قمة دافوس لن تقدّم حلولاً بديلة لأن أصحاب القرار السياسي والاقتصادي هم الذين خلقوا هذا الوضع.
وكان الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز قد حثّ دعاة العولمة البديلة على التحول إلى الهجوم وعدم البقاء في الخنادق، إلا أن الكثيرين من الناشطين لا يزالون على ترددهم بحجة المحافظة على المنتدى الاجتماعي العالمي مجالاً للحوار، وبالتالي عدم تحويله إلى حركة ذات صوت واحد وأن يحتفظ بمسافة تفصله عن رجال السياسة.
في المقابل، تميّز اجتماع النخبة السياسية والاقتصادية في دافوس بالبساطة في هذا العام، وطغت عليه صورة انسحاب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بغضب أمام مئات الأشخاص، بعد مناقشة حادة مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في شأن الحرب الإسرائيلية على غزة... وهو ما عدّه الكثير من المراقبين إشارة إلى التغيّر الحاصل في العالم الذي ستزيد الأزمة المالية والاقتصادية من وتيرته، ما يجعل منتدى دافوس مجرد ذكرى بعد وقت قصير، إذ إن هذه الصورة حجبت قليلاً القلق الشديد الذي أبداه المشاركون من عودة «الحمائية» وتزايد «الاضطرابات الاجتماعية»، وقد تعزز هذا القلق لدى المدافعين عن «العولمة القائمة» بعد إعلان واشنطن عن خطة لحماية صناعة الصلب الأميركية.
وشهد منتدى دافوس نداءات عدة للتنبه من ردة الفعل «الحمائية» للأسواق المحلية في مواجهة الأزمة المالية والاقتصادية، إلا أن وزير الاقتصاد والتجارة المصري رشيد محمد رشيد قال في ختام الاجتماعات إن «الحمائية قد بدأت بالفعل وستستمر»، فيما أكّد مدير منظمة التجارة العالمية باسكال لامي أنه رصد العديد من «النقاط الحمراء» في مراقبة السياسات التجارية، وأوضح أن المسؤولين يخضعون لضغوط سياسية داخلية، وما يسمعونه في دولهم هو أن «التجارة يجب أن ترمى في سلة المهملات»، مضيفاً أن ذلك «مدعاة قلق بالنسبة إليهم وبالنسبة إلي».
وقال وزير الخارجية البرازيلي سيلسو اموريم المؤيد لتحرير أكبر للتجارة إنه في الأزمات «لا تميل الأمور إلى التبادل الحر بل إلى الحمائية».
(الأخبار، أ ف ب)


الآمال المعلّقة

مثّل منتدى دافوس فرصة لاجتماع وزراء التجارة على أمل تحريك مفاوضات منظمة التجارة العالمية، وقد أصدر حوالى عشرين منهم إعلاناً يؤكد أنه من الممكن إنجازها عام 2009 بعد الإخفاقات التي واجهتها عام 2008، معلّقين آمالاً كبيرة على اجتماع مجموعة العشرين في 20 نيسان المقبل في لندن، بدون أن يطرحوا أي حل عملي لإصلاح النظام المالي الدولي، واقترحت سويسرا اجتماعاً وزارياً لمنظمة التجارة العالمية قبل الموعد المنتظر لمجموعة العشرين بهدف إدراج دورة الدوحة في برنامج المناقشات بشأن النهوض بالاقتصاد العالمي.