لم تكن الثقة بحاجة إلى فضيحة مالية كبرى ثانية لكي تتلاشى في الأسواق المالية الأميركية التي لا تزال ترتعد من مسلسل الفضائح الذي تعرّضت له منذ أعوام. فعلى إثر ادّعاء من هيئة رقابة الأوراق المالية والقطع، استطاعت المباحث الفدرالية القبض على السير آلان ستانفورد، مهندس مخطّط احتيال بـ8 مليارات دولار، يذكّر بـ«هرم» برنارد مادوف
نيويورك ـ نزار عبود
في منطقة فردريكسبورغ في ولاية فرجينيا الأميركية، ألقت السلطات الأمنيّة الفدراليّة القبض على رئيس مجموعة «Stanford Financial» آلان ستانفورد، بواسطة مخبر خاص، بعدما كان قد اختفى منذ بضعة أيام، إثر تكشّف فضيحة أخرى طفت على سطح عالم الأعمال والمال في الولايات المتّحدة. وهذه المرة بلغت قيمة الخسائر 8 مليارات دولار من أصل 50 مليار دولار إجمالي التوظيفات في الشركة. وقدّرت خسائر الأميركيين منها بـ1.5 مليار دولار.
حصلت الخسائر جرّاء عمليات تلاعب بأموال المستثمرين والتغرير بهم في غفلة من الأجهزة الرقابية، في حادثة تأتي عقب أشهر قليلة من أكبر عملية احتيال في التاريخ بلغت قيمتها 50 مليار دولار، قام بها برنارد مادوف، الذي أنشأ نظام احتيال هرمي (Ponzi Scheme) على مدى يزيد على 30 عاماً.
أما مملكة ستانفورد المالية، فهي مختلفة، ومؤلّفة من مجموعة من الشركات المصرفية والاستثمارية الفرعية المستقلة، التي يملكها شخص واحد، هو السير آلان البالغ من العمر 58 عاماً.
كان أهالي هيوستن يعتقدون أن فضيحة «Enron»، كبرى شركات بيع الطاقة في العالم، في عام 2001، ستكون الأخيرة في تاريخ المدينة، وأن الأجهزة الرقابية ستتوخى اليقظة بعد فقدان المستثمرين عشرات مليارات الدولارات فيها. لكنهم فُجعوا بفضيحة ستانفورد الجديدة، واكتشفوا أن الأخير كان الوكيل الخارجي لبرنارد مادوف الذي كان يزوّر البيانات المالية من مصرفه الكائن في أنتيغوا الكاريبية.
اكتشفت السلطات، متأخرةً، أنّ ستانفورد كان يوحي للمستثمرين أن استثماراتهم ليست في أمان وحسب، بل يمكن تسييلها في أيّ وقت وإعادتها لأصحابها. لكنه في حقيقة الأمر كان يستثمر الكثير منها في شركات عقارية وأسهم في شركات خاصة، ولم يكن يؤمّن على شهادات الإيداع كما ادّعى.
حتى العام الماضي، حين أعلن خسارة بنسبة 1.3 في المئة، كان ستانفورد يسجّل أرباحاً تزيد على 10 في المئة سنوياً، لمدة لا تقل عن 10 أعوام. وخلال الأيّام الماضية، حاول الكثير من عملائه المؤلّفين من 30 ألف عميل سحب ودائعهم خلال الأيّام الماضية، دون نجاح. بعضهم زحف إلى المقرّ الرئيسي للشركة الأم القريب من مطار سان جون في عاصمة أنتيغوا. كما حاصر آخرون أحد بنوكه في أنتيغوا، فضلاً عن أعماله في فنزويلا وبنما. وأثيرت الشبهات حول علاقته بتطهير أموال كارتل مكسيكي لتجارة المخدرات.
ورغم ضخامة محافظ الاستثمار التي كان يديرها، فإن فريق الرقابة عليها لم يزد على 20 محلّلاً، بما في ذلك ستانفورد شخصياً، ورئيس القسم المالي لديه الذي كان زميلاً له من فصل الدراسة. وهناك إلى جانبهم لفيف من الأصدقاء والأقارب، حتى والد ستانفورد الذي عرف بأنّه كان راعياً للأبقار.
وفي أنتيغوا التي استقلّت عن الكومنولث البريطاني عام 1981، حظى ستانفورد باحترام شديد، ولم يكن صعباً عليه الحصول على شهادة نزاهة ماليّة قبل أشهر قليلة، بل حصل على أوسمة حكوميّة كثيرة للدور الذي أدّاه في تعزيز اقتصاد الجزيرة.
ومنذ 3 سنوات، أظهرت السلطات الأميركية شكوكاً في عمليات ستانفورد، وفرضت غرامة بقيمة 10 آلاف دولار عليه بسبب طمسه المخاطر المترتبة على الزبائن، قياساً بالمنافع من الاستثمار لديه، ولا سيما في كفالات الاستثمار التي تعرف ببدائل العجز الائتماني. وعكست قيمة الغرامة الطفيفة مدى قربه من الذين فرضوها عليه.
وبعد تفجّر فضيحة مادوف، الذي لا يزال تحت الرقابة المنزليّة ينتظر المحاكمة، ضاعفت هيئة الرقابة من التدقيق في ملفات ستانفورد بسبب ارتباطه بالأول، فيما أسهمت جهات مستقلة في تسليط الضوء عليه من خلال المعلّقين على الإنترنت. وهنا برزت أهمية دور حرية التعبير على الشبكة في كشف ما تتغافل أجهزة الرقابة عنه.
وعلى غرار مادوف، كان ستانفورد يتمتع بشخصية اجتماعية محترمة لها نشاطاتها الإنسانية الخيرية والفنية والرياضية. وكان يرعى مباريات تنس وغولف وكريكيت، ويمنح جائزة «ستانفورد سوبرستار» في جزر الهند الغربية بقيمة 20 مليون دولار.
وفضيحته هذه من شأنها التعجيل بالمزيد من الانهيارات في مؤسسات الاستثمار الصغيرة والكبيرة، لأن المستثمرين يتدافعون حالياً على تصفية استثماراتهم، ولم يعد يشعر المستثمر بأن هناك أجهزة رقابية نزيهة ساهرة على سلامة النظام المالي.
ويبقى السؤال كيف يستطيع أشخاص يعملون بهذا القدر من الغموض، مثل ستانفورد ومادوف، إقناع مديري المحافظ في ضخ عشرات مليارات الدولارات في صناديقهم طيلة هذه المدة؟


خوف لاتيني

وظّف الفنزويليّون 3 مليارات دولار في «مصرف ستانفورد الدولي» في أنتيغوا، فهم كانوا يريدون توظيف أموالهم خارج بلدهم الاشتراكي، وفي الوقت نفسه الحصول على فوائد مرتفعة. وستانفورد كان يوفّر لهم ذلك. وحصل الأغنياء في البلد اللاتيني على فوائد تصل إلى 14 في المئة. وعلى الرغم من استقرار معظم اقتصادات أميركا اللاتينيّة، يبقى سكّان جنوب القارّة الأميركيّة قلقين، ويرغبون في توظيف مدّخراتهم في مصارف خارجيّة، الأمر الذي استغلّه ستانفورد. وبالنسبة إلى الفنزويلّيين، فقد مثّلت استثماراتهم ثلث المبلغ الذي تحقّق فيه السلطات الأميركيّة.

  • انقر للصورة المكبرة...

    انقر للصورة المكبرة...