هآرتس ــ تسفي بارئيلكيف يُعرَّف النصر؟ بالنسبة إلى قائد فصيلة عسكرية، سيكون هناك جواب. وبالنسبة إلى رئيس الأركان، هناك جواب آخر، فيما السياسي سيبدأ بالتفلسف. فتعريف النصر «منوط بتعريف الأهداف». سيكون الرد سهلاً لدى الثلاثة.
نحدّد أهدافاً غامضة بما فيه الكفاية، مثل «تغيير الوضع الأمني»، وعندها، كل واحد يمكن أن يدعي بأنه انتصر. إذا توقفت صواريخ «القسام»، نكون قد انتصرنا. وإذا أملينا شروطاً على فتح معبر رفح، نكون قد انتصرنا أيضاً. وإذا استعدنا قوة الردع، بالطبع نكون قد ربحنا.
وعموماً، فإن الحرب هي معركة مريحة بما فيه الكفاية، لمثل هذه التعريفات. ولكن، عندما تنتهي الحرب، لن تعود السيطرة في غزة خاضعة لـ«منظمة إرهابية»، بل لحكومة تملي الشروط على كل خطوة سياسية تتطلع إسرائيل إلى تحقيقها في المنطقة. فما لم تنجح «حماس» في تحقيقه من خلال النصر السياسي الجارف الذي أنجزته في الانتخابات، هي كفيلة بأن تحققه من خلال الحرب. فبالنسبة إلى «حماس»، يوجد تعريف آخر للنصر.
«حماس»، مثل حزب الله، تعرف أن بضع مئات من الصواريخ، لا تحطم دولة إسرائيل. ولكنها تدرك أن تلك الصواريخ رافعة حيوية لبناء حضور وقوة ردع في الساحة الداخلية. وليس المقصود فقط أن «حماس»، رغم الانتقاد الحاد ضدها، تُعدّ القوة الفلسطينية الوحيدة التي تدير صراعاً تحريرياً ضد احتلال، بل تنال أهميتها نظراً للعصف السياسي الذي أحدثته في الشرق الأوسط. فالخلاف العميق بين سوريا ومصر والسعودية، هو إنتاج «حمساوي»، بالتحديد مثلما نجح حزب الله في دق الإسفين بين هاتين الدولتين. أصبحت إيران عاملاً ذا أهمية في الحرب السياسية بشأن غزة، بالضبط مثلما هي عامل مهم في لبنان.
المقاطعة الدولية للحركة الإسلامية، وهي ثمرة جهود إسرائيل، آخذة في التصدع مثلما نجح حزب الله في تبديد المقاطعة ضد سوريا بفضل إنجازاته في لبنان.
فها هي فرنسا تبادر لاقتراح خططٍ لوقف إطلاق النار، وغداً ستوافق على الحديث مع «حماس». أما رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، فقد التقى علناً خالد مشعل، ورمضان شلح، ولم ينطلق من إسرائيل الاحتجاج التقليدي.
محمود عباس، بصوت أجش، أطلق الأسبوع الماضي خطاباً تصالحياً لم يتهم فيه إسرائيل بالحرب فحسب، بل دعا «حماس» إلى المصالحة والانضمام إلى صفوف منظمة التحرير الفلسطينية. وبدا هذا الزعيم الفلسطيني خلال هذا الأسبوع، شخصية هي الأقل حضوراً وصلة بالحرب: فبدلاً من أن يكون الممثل الفلسطيني الأرفع الذي يدير المفاوضات لتوقف إسرائيل حربها، أصبح رئيساً لفصيل فلسطيني، أشبه بـ «رئيس منفي»، لا يمكنه إطلاق خطابات الرحمة.
و«حماس»، مثل حزب الله، ليست منظمة محبوبة في أوساط الأنظمة العربية، والسبب لا يعود إلى أن كليهما يمثل الإسلام الراديكالي، بل لأنهما يضعضعان لعبة القوى التقليدية التي تقرر فيها الدول العربية المتصدرة، مثل مصر والسعودية وحتى سوريا، القواعد بالنسبة إلى باقي دول المنطقة.
الدول العربية، مع الكثير من المعاناة، تسير لتستوعب هذا الواقع. فهي باتت تتطلع إلى حكم مستقر، سواء كان اسمه «حماس» أو الساحر من بلاد العجائب، بشرط أن تكفّ المشكلة الفلسطينية عن إقلاقهم وإثارة التظاهرات في شوارعهم. إسرائيل لا تزال لا تستوعب هذا التغيير. ولا بد أن توضح لها هذه الحرب، أنه لا يمكن إدارة مفاوضات مع أبي مازن.
المرحلة التالية، ستكون تحويل الحرب إلى رافعة سياسية داخلية وخارجية. في كل لحظة، بإمكان «قسام واحد» أن يهز النظام. «حماس» تفكر سياسياً، أما إسرائيل، فلا تزال عالقة في مستوى تفكير قائد الفصيلة.