حاول الغزاويون استغلال هدنة الساعات الثلاث لتوفير مقومات البقاء في المعركة التي تبدو طويلة، فيما كان آخرون يتفقدون أقارب ومنازل قد لا يرونهم لوقت طويلهدنة لثلاث ساعات، أخرجت الفلسطينيين إلى الشارع لابتياع حاجاتهم الأساسية وتفقد أفراد أسرهم ودفن موتاهم رغم خوفهم الشديد من غدر اعتادوه.
غادرت خديجة الترك (47 عاماً) على عجل من أمرها من حي الصبرة إلى حي الرمال حيث السوبرماركت كي «تشتري اللحم والجبن والأرز وبعض المعلبات والمعجنات». وتقول: «نحن بحاجة إلى حليب لأطفالنا، لقد انقطعت كل أنواع الحليب منذ نحو أسبوعين».
أما محيي النزلي من الحي نفسه، فقد هرع لشراء ما تيسر من المواد التي يمكن أن تقضي حاجته وقت الشدّة، فلا أحد يعلم ماذا سيحصل غداً. يقول: «جئت لشراء كيس طحين لأضمن حاجتي من الخبز، إضافة إلى العدس والفول وزيت الذرة».
واصطف مئات المواطنين في طوابير أمام المخابز. وفتحت المحال أبوابها أمام السكان لبضع ساعات «كي يتمكن المواطنون من شراء حاجاتهم رغم النقص الكبير في معظم المواد، وكان الإقبال شديداً». وفور انتهاء هدنة الثلاث ساعات، يقول زاهر، صاحب المحل: «سنغلق لأننا نخشى كثيراً عودة القصف».
وبعض السكان لازم منزله طوال أيام القصف، وما إن أُعلنت الهدنة حتى هرع للسوق. وقال أشرف عبد الله، وهو واقف أمام محل لبيع الخضار في حي تل الهوى المقابل لمنطقة نتساريم: «جئت لشراء بعض الخضار، إذ لم نخرج من المنزل منذ بدء الغارات الجوية، لأن منطقة سكني تعرّضت للقصف أكثر من مرة».
ومن لم يخرج لشراء القوت اليومي، شارك في تشييع الشهداء ودفنهم بعدما قتلت آلة الحرب الإسرائيلية أكثر من 42 شهيداً في مدرسة تابعة للأونروا في مخيم جباليا. فدُفن بعض الشهداء بصورة جماعية لامتلاء المدفن الرئيسي في المخيم وللخطورة الشديدة التي تكتنف البحث عن أماكن أخرى للدفن. وصاح المشيّعون الغاضبون «الانتقام!».
أبو علي حسن، الذي تقطعت به السبل بعيداً عن منزله عندما بدأ الهجوم البري الإسرائيلي، تمكّن من زيارة زوجته وبناته الثلاث للمرة الأولى. كان يخشى على حياتهن لعدم قدرته على الوصول إليهن بالهاتف. وقال: «الحمد لله، إنني وجدتهن وهنّ جميعاً أحياء، لكن استبدّ بهنّ الفزع».
وفي مراكز توزيع الطعام التابعة للأمم المتحدة، حاول بعض الأشخاص المعوزين شق طريقهم إلى مقدمة الصف خشية أن ينفد الوقت ولا يحصلوا على شيء قبل استئناف القتال. وطلبت امرأة في الصف من الله أن يضرب إسرائيل لما تفعله في شعب غزة لكن بعد أن يعاقب القادة العرب، الذين «وقفوا متفرجين وتركوا الهجوم يقع». وقالت: «يريدون تحويلنا إلى شحاذين».
وآثر البعض الآخر عدم الخروج لأنهم لا يثقون بالإسرائيليين. وقال مرتضى عاشور من سكان حي الزيتون (شرق): «لم نستطع طوال الأيام السابقة النوم، لأن القصف لم يتوقف لحظةً»، مشيراً إلى أن «الهدنة كذب».
وشكّك وائل الحاج أحمد من الحي نفسه بالهدنة قائلاً: «اليهود يغدرون ونحن جربناهم كثيراً، أخاف أن يحدث أي سوء لأسرتي المؤلفة من عشرين شخصاً، لذلك لن نخرج».
وقد أعلنت إسرائيل بدء سريان الهدنة من خلال رسائل نصية قصيرة على الهواتف النقالة، وهذا ما أكّده عدد من المواطنين. إلا أن الإذاعات المحلية طلبت من المواطنين توخي الحذر خشية عدم التزام إسرائيل وقف إطلاق النار.
وتوقفت العمليات الهجومية في تمام الواحدة بعد الظهر بالتوقيت المحلي من أجل السماح لوكالات الإغاثة بإدخال السلع والدواء وتوزيعها. لكن جون جينغ، من وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، رأى أن الثلاث ساعات ليس وقفاً كافياً، واصفاً الأوضاع في القطاع الممزق بأنها «جحيم على الأرض».
ويرى أطباء نفسيون فلسطينيون أن الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة تؤسس لجيل جديد من الفلسطينيين الشديدي التطرّف تجاه إسرائيل، لن يجدوا طريقة لشعورهم بالأمان سوى اللجوء إلى القوة والعنف تجاه الدولة العبرية التي يرون فيها «الشرّ الأكبر».
وقال مدير مركز الصحة النفسية في القطاع، إياد السراج: «أطفالنا يعانون من سلسلة صدمات نفسية لحقت بهم في السابق والحاضر نتيجة القصف الإسرائيلي والعدوان على القطاع، وبسبب تعرضهم لهذا الكم من الصدمات طوروا وسائل دفاعية». وتابع: «الأطفال الذين ولدوا تحت الاحتلال استخدموا ضرب الحجارة والمولوتوف (الزجاجات الحارقة) خلال الانتفاضة الأولى، أما الجيل الحالي فسيتحول إلى التطرف لأنه يؤمن بأن إسرائيل هي الشر الأكبر».
(أ ف ب، رويترز)