برلين ــ غسان أبو حمدضجّت ألمانيا بالتظاهرات والشعارات وصراخ مئات الألوف الذين ساووا بين المحارق النازية ضدّ اليهود في الماضي والمحارق الصهيونية اليوم ضدّ الأبرياء الفلسطينيين، وخصوصاً الأطفال والنسوة، معتبرين أن «المحرقة الصهيونية استمرار للمحرقة النازية»، بينما حمّلت الصحافة الألمانية والمحللون السياسيون مسؤولية ما يجري للقيادة الإسرائيلية. ورأت أن استمرار قتل الأبرياء يعدّ بمثابة «فقدان حسّ الشعور ولا مسؤولية القرار السياسي الذي اتخذته الحكومة الإسرائيلية ضدّ سكان غزّة».
ففي برلين، لبّى نحو عشرة آلاف متظاهر، من الجاليات التركية والكردية والعربية والأفريقية والمواطنين الألمان، دعوة الأحزاب السياسية التقدمية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية وحركات التحرّر العالمية، للتظاهر تضامناً مع سكان قطاع غزة، ورفعوا صور بعض القادة السياسيين، ومنهم الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز.
وأكد بعض المتظاهرين الألمان، من الذين قدّر لهم عيش ويلات المحرقة النازية ضدّ اليهود، أنهم كانوا يتمنّون الموت قبل رؤية هذه الويلات تتكرّر بهذه البشاعة «الصهيونية النازية»، ضد السكان الفلسطينيين في قطاع غزة. وقالت الألمانية سوزانا هولز، التي فقدت أهلها في الحرب العالمية الثانية، إن ما جرى في الماضي لم تتمكن من مشاهدته «لكن منظر الأطفال والنسوة المشلّعة أطرافهم، أتحسسه اليوم حقيقة بكلّ المشاعر داخل منزلي ومع أطفالي اليوم».
وتميزت التظاهرة بالتنسيق بين المشرفين عليها والسلطات الأمنية الألمانية، حرصاً على سلامة المتظاهرين وأمنهم وخوفاً من اندساس متآمرين في صفوفهم، وخصوصاً بعد إقدام بعض المؤيدين لإسرائيل على رفع أعلام الدولة العبرية على بعض الشرفات، ورمي كرات الثلج على المتظاهرين بهدف استفزازهم، وبالتالي تسويق الشغب ودفعهم إلى الاشتباك مع الشرطة.
وفي مدينة دويسبورغ، تظاهر أكثر من عشرة آلاف مواطن، تضامناً مع قطاع غزة، وطالب المتظاهرون في شعاراتهم بوقف أعمال القتل الوحشي وغير المبرّر في سلوك الإنسان الحضاري، واتهموا القيادة الإسرائيلية باعتماد النهج النازي وإقامة محرقة للسكان المدنيين الفلسطينيين الأبرياء بهدف إقامة «كيان يهودي» في فلسطين.
أما في مدينة ميونيخ، فلبى أكثر من ثلاثة آلاف مواطن الدعوة إلى التظاهر، تنديداً بالعدوان الإسرائيلي، ودعوا إلى وقف المحرقة الصهيونية ضد سكان قطاع غزة الأبرياء. كما تظاهر في كل من مدينة نورنبرغ نحو أربعة آلاف متظاهر. وفي مدينة دورتموند تظاهر أكثر من ألفي متظاهر، فيما تظاهر 500 شخص في مدينة بوخولت. وفي مدينة كولونيا تجمع أكثر من ألف متظاهر. وسارت جميع هذه التظاهرات بسلام وبتنسيق تام مع السلطات الأمنية الألمانية.
وفي سياق شرح أبعاد ما يجري من أعمال بربرية ضد سكان قطاع غزة الفلسطينيين الأبرياء، أقام المركز الثقافي والإعلامي السوري ـــ الألماني في مدينة كولونيا شرحاً تفصيلياً لأعمال الإبادة التي تجري ضدّ السكان الأبرياء وسط عجز الأمم المتحدة عن وقفها.
وعلى الصعيد السياسي، دعت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الاتحادي، بطلب عاجل من حزب الخضر الألماني وموافقة ممثلي الأحزاب الأخرى في اللجنة، إلى عقد اجتماع خاص لبحث الوضع وإمكانات الحلول الممكنة لوقف النار في الشرق الأوسط.
بدوره، دعا رئيس لجنة الحزب الديموقراطي المسيحي، روبرشت بولنتس، إلى عقد جلسة خاصة غير علنية لأعضاء لجنته يوم غد، يكون موضوعها مناقشة الوضع الراهن في الشرق الأوسط، وبحث إمكانات الوصول إلى حل ينهي القتال الدائر في قطاع غزة. ومن المتوقع أن يحضر وزير الخارجية، فرانك فالتر شتاينماير، الجلسة الخاصة لعرض وجهة نظر حكومته والجهود المبذولة حالياً لحل النزاع المستمر في المنطقة منذ أكثر من أسبوعين.
من جهته، رأى المتحدث باسم حزب «اليسار» عن الشؤون الخارجية، النائب نورمان بيش، أن الاقتراحات المطروحة لوقف حقيقي للقتال «كثيرة وتتقاطع في نقطة أساسية، تتمثل جميعها في ضرورة وقف فوري للنار دون شروط مسبقة، على أن تتبع ذلك مفاوضات بشأن فتح المعابر، ووقف تهريب السلاح». ولضمان هذا الأمر اقترح بيش أن ترسل الأمم المتحدة في إطار مهمة سلام قوات دولية للسهر على وقف إطلاق النار على جانبي الحدود.