في اليوم السادس عشر للعدوان، بات الاستحقاق الذي تواجهه إسرائيل في عدوانها على غزّة أكثر حدة لجهة الحسم بين خيارين: تعميق المجازر، أو وقفها استناداً إلى تسوية سياسية توفّر لها مخرجاً لائقاً تتيح لها الادّعاء أن «أهداف الحرب» قد تحقّقت
محمد بدير
بات يمكن اختصار المشهد الإسرائيلي الراهن بأنه حالة من التجاذب بين تيارين، يدفع أحدهما باتجاه استغلال «الفرصة التاريخية» التي توفرت في فتح جبهة الجنوب لأجل حل «المشكلة» جذرياً مع «حماس»، وآخر يدعو إلى الاكتفاء بما تحقق عسكرياً وما يمكن أن يتحقق سياسياً، لإنهاء العملية العسكرية. وعلى هذا الأساس، فإنه من الممكن الجزم بأنّ حيّزاً مهماً من الدوافع التي تحرّك أنصار كل من التيارين، يرتبط بحسابات الانتخابات المقررة في العاشر من شباط المقبل.
وتحاول تل أبيب أن توحي أن خلف تمنّعها عن الإقدام على دخول المرحلة الثالثة من عدوانها رغبة في إعطاء الفرصة للاتصالات السياسية لكي تنجز اتفاق وقف إطلاقٍ للنار، يلبّي شروطها ومطالبها، وخصوصاً في ما يتعلق بوضع آلية واضحة لمكافحة تهريب الأسلحة، تستند إلى التزام مصري جدي ودور دولي.
وتتحدث وسائل الإعلام الإسرائيلية عن وجود «نافذة فرص» لا تتجاوز مدتها ثلاثة أيام، لبلورة التسوية المتوخّاة. وتشير في هذا السياق إلى أنه إذا كانت النتيجة سلبية، فإنه لن يكون هناك مفرّ من إعطاء الضوء الأخضر للجيش للانتقال بالعملية العسكرية إلى مرحلتها الثالثة، التي تتضمن اجتياح المناطق المأهولة بالسكان.
مرحلة يتردّد في الدولة العبرية أنّ أولى ترجماتها الميدانية ستكون احتلال محور فيلادلفي على الحدود مع مصر، وأجزاء من مدينة رفح جنوب القطاع.
وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة «هآرتس» عن مصادر أمنية ودبلوماسية قولها إن تل أبيب مصرّة على إقامة «حزام أمني» منزوع السلاح داخل غزة، بعمق 500 متر، يضم المناطق الزراعية المتاخمة للحدود مع إسرائيل، كجزء من الاتفاق على وقف النار.
إلا أنّ الاتجاه العام لتعليقات الصحافة الإسرائيلية يميل نحو اعتبار التلويح بتوسيع العدوان «رافعة ضغط» لا أكثر، هدفها دفع الجهات ذات الصلة بالتسوية إلى التعامل بجدية مع المطالب الإسرائيلية.
وفي هذا الإطار، كشفت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي عن أنّه لن تكون هناك «مرحلة ثالثة»، وأنّ ما يفعلة الجيش ميدانياً يمكن تصنيفه ضمن عنوانين:
ـــــ الأول، محاولة القيادة السياسية شراء الوقت لتمكينها من بلورة اتفاق يكون راجحاً لمصلحة تل أبيب.
ـــــ والثاني، العمل على استنزاف المقاومة، وإحداث بعض التغييرات الجغرافية في محور فيلادلفي، تسهم في جعل تهريب السلاح أكثر صعوبة مستقبلاً.
وفي موقف جديد لرئيس الوزراء إيهود أولمرت، فقد أمل أن تنتهي عملية الجيش «قريباً»، مشيراً إلى ضرورة تحقق أمرين «بتنا قريبين من تحقيقهما اليوم». وعلى حدّ تعبير أولمرت، فإنّ الهدف الأول هو وقف إطلاق الصواريخ، فيما الثاني وقف تهريب الأسلحة إلى غزة.
وشكر أولمرت الرئيس المصري حسني مبارك على «جهوده لمنع التهريب»، متمنّياً أن «تنضج هذه الجهود لتحقق نتائج تسمح بإنهاء القتال».
من جهتها، جدّدت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني رفضها لأي اتفاق مع الحركة الإسلامية، بما أنّ «التعامل معها يجري فقط في إطار الحرب على الإرهاب».
وفي مقابلة مع إذاعة الجيش، وصفت ليفني المفاوضات الجارية بين القيادة المصرية و«حماس» بأنها «مفاوضات ضد حركة حماس وليست معها».
وعن تعامل دولة الاحتلال مع نتائج حوار القاهرة، جزمت رئيسة الدبلوماسية الإسرائيلية بأنه «إذا كانت نتيجة الحرب حصول حماس على الشرعية، تكون هذه النتيجة غير مجدية». وذكّرت بأنه منذ تبوّأت «حماس» السلطة، «عملنا كي لا يُعترف بها في العالم، ونحن نجحنا في ذلك طوال السنوات الثلاث الماضية، نحن والمصريون متفاهمون على الإنجازات المطلوبة».
وبالعودة إلى السجال داخل المؤسسة السياسية في الدولة العبرية، ولا سيما بين أصحاب القرار، أولمرت ـــــ ليفني ـــــ (وزير الدفاع إيهود) باراك، حول طبيعة المخرج السياسي لإنهاء الحرب، فإنّ التقارير الإعلامية تفيد بأن باراك وليفني يعتقدان بأنه يجدر إنهاء «الرصاص المصهور»، بينما يجنح أولمرت نحو مواصلتها.
وأكّدت «هآرتس» أنّ ليفني ترى أن استمرار العدوان «من شأنه أن يمس الإنجازات التي تحققت»، ولا سيما في ما يتصل بالردع. ووفق الصحيفة نفسها، فإنّ باراك يتحفّظ على الدخول البري إلى عمق المناطق السكنية، ويعتقد في المقابل، بأنه يجب الاكتفاء بمستوى العمليات التي نُفّذت حتى الآن.
وفي المقلب الآخر، نقل مقرّبون من أولمرت عنه قوله إن غالبية أعضاء المجلس الوزاري، ورؤساء المؤسسة الأمنية، يؤيّدون موقفه بوجوب مواصلة الحملة وتوسيعها. وأشارت المصادر إلى أن رئيس الوزراء قرّر مواجهة ليفني وباراك «عبر إحالة القرار إلى المجلس الوزاري الأمني المصغَّر» الذي يُتوقع أن ينعقد اليوم أو غداً.
وبرّر عدد من مسؤولي دولة الاحتلال موقف رئيس حكومتهم المتحمّس لمواصلة المجازر بمصلحته في تأجيل الانتخابات العامة المقبلة. ونقل المحلل السياسي في «معاريف»، بن كسبيت، عن بعض المسؤولين السياسيين والأمنيين، اتهامهم أولمرت بالسعي لإرجاء سفر رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع، عاموس جلعاد، إلى مصر. حتّى إنّ المناوئين لرئيس الحكومة يرون أنّ الأخير «أساء إلى سمعة جلعاد لدى المصريين من خلال تسريب أقوال باسمه مفادها أنّ المصريين جيّدون بالكلام لا بالأفعال».
ويلفت كسبيت إلى أنه على الرغم من أن مكتب أولمرت عبّر عن معارضة رئيس الوزراء تأجيل الانتخابات، «لكن ثمة رأي يقول إنه يواصل بدهاء بالغ تحقيق هدفه، وهو تأجيلها لفترة طويلة تمكّنه من تحقيق إنجاز تاريخي في غزة». ولم يتردّد البعض في الكشف عن أنّ أحد أحلام أولمرت هو تحرير الجندي الأسير في القطاع، جلعاد شاليط.
كذلك تطرّق كسبيت إلى تفاصيل الخلافات بين حكّام إسرائيل، التي لا تنحصر في القيادة السياسية، بل باتت تواجه رئيس أركان الجيش غابي أشكينازي، وقائد الجبهة الجنوبية اللواء يواف غالانت. ويستند المحلل في معطياته عن «حرب الجنرالات» هذه إلى ما نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» قبل يومين، من أن غالانت طالب أولمرت باتخاذ قرار بتوسيع العملية البرية في القطاع.
وفي معرض هذا الكلام، يوضح كسبيت أنه «ليس سراً أنّ أشكينازي كان يدفع باتجاه الاعتدال خلال هذه الحرب، ولم يكن منفلتاً، بينما يظهر غالانت، في المقابل، كمن يسعى للقتال ويدفع لمواصلته وتعميقه وتوسيعه».