في ظلّ الحملة الإعلاميّة على «حماس» والمقاومة الفلسطينية باعتبارها «إرهابيّة»، قد يكون من المفيد النظر إلى خلفيّة «المقاومة اليهوديّة» للنازيّة، التي نجت من التصنيف «الإرهابي»
ربى أبو عمو
«يستيقظ الرجل اليهوديّ المؤمن، ويستهلّ يومه بشكر الربّ، لأنه لم يخلقه غوي (غير يهودي)»، هكذا يقول إبراهام بورغ، في كتابه «للانتصار على هتلر»، هو الذي ترأس إدارة المنظمة الصهيونية العالمية، والكنيست الإسرائيلي، ونافس على رئاسة حزب «العمل» الإسرائيلي، وكاد يُنتخب رئيساً له قبل أن يتقاعد من العمل السياسي.
في بداية الأسبوع الثاني للحرب الإسرائيلية على غزّة، عُرِض فيلم «التحدّي»، للمخرج اليهودي الأميركي ايد زويك، والمنتج مارشال هيرسكوفيتس، في صالات السينما العالمية. فيلم يروي قصة ثلاثة أشقاء يهود نجوا من المحرقة النازية في ألمانيا. أحدهم بدأ يساعد أبناء دينه في الهرب من الاضطهاد، فيما أخذ الثاني يسلّحهم للدفاع عن أنفسهم. أما الأخير فقد عمد إلى قتل الألمان الذين أسهموا في صنع هذه المحرقة. وحّدوا جهودهم ضد الظلم، قاتلوا، وأخيراً هاجروا إلى إسرائيل.
في «أرض الميعاد»، فوجئ الإخوة الثلاثة. وبحسب الفيلم، فإنهم رأوا تغيّراً في معادلة «الحقّ»، حين اصطدموا بـ«الصهيونية المتعصبة». حزموا أمتعتهم وهاجروا إلى مكانٍ يؤمن بحق الدفاع عن النفس ضد الظلم، حتى لا يكونوا أحد صانعيه.
تشبه هذه القصّة الكثير من مثيلاتها الفلسطينية. أبناء هذه الأرض قاوموا بدورهم الاحتلال الإسرائيلي، دافعوا عن أنفسهم فتحوّلوا إلى «إرهابيين»، مصطلح كان يجب أن يطلق على الإخوة اليهود الثلاثة، بمجرد إقدامهم على «الدفاع عن أنفسهم»، لكنهم «نجوا» من هذا التوصيف.
كيف نجوا؟ يشرح بورغ فاتحاً صفحات كتابه ويقول: «تسعى إسرائيل دوماً إلى احتكار مكانة الضحية الوحيدة والمتميزة، وترفض قبول مقارنتها بالكوارث التي حلت بالشعوب الأخرى». ويضيف أن «التمييز العنصري والاستعلاء مغروسان بنيوياً في النفس اليهودية، وخطر استمرار انتشار هذه الأفكار العنصرية على مستقبل إسرائيل واليهود يكمن في أنها تنزع من البشر إنسانيتهم، وتحوّلهم مخلوقات حيوانية يجب التخلص منها». والأهم أن إسرائيل، كما يؤكد المؤلف، تشبه «ألمانيا في المراحل الأولى لانهيار قيمها الإنسانية والحضارية، عندما بدأت تستسلم للنازية التي حطمت كل شيء جميل في ألمانيا».
كلا، إسرائيل لا تنتقم. بل تعيد تمثيل جريمة النازية، خوفاً من أن تضطهدها ألمانيا أخرى. وفق هذا المنطق، تتجنّد الصحف الغربية للدفاع عن المجزرة الإسرائيلية ومهاجمة «حماس الإرهابيّة»، باعتبارها مسؤولة عن الحرب على قطاع غزة. ومع مرور الوقت، بقي اللوم، وقابله عتب على الإفراط الإسرائيلي في الرّدّ، من دون استباحة منطقه «الإنساني». بعضهم، أمثال الصحافي ماجد نواذ، في صحيفة «الغارديان» البريطانية، ساوى بين القتلى الفلسطينيين والإسرائيليين، رغم أنه تغاضى عن الفارق في الأرقام.
ويقول: «الحق في الحياة غير قابل للتفاوض. كما يدين المسلمون البريطانيون موت المدنيين المسلمين في العراق أو فلسطين، عليهم أن يدينوا التفجيرات الانتحارية التي تقتل المدنيين غير المسلمين. ينبغي إلغاء منطق الطفل مقابل الطفل. فالقتل هو القتل».
المعادلة بسيطة. من أراد القول إن «حماس إرهابية»، عليه أن يُطلق الصفة نفسها على اليهود الذين قاوموا المحرقة النازية.