مهدي السيدواصلت الصحف الإسرائيلية سيرها بين الألغام في مقاربتها للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فركزت في كتاباتها على التحذير من الوقوع في مطبات من شأنها الانعكاس سلباً على الجيش والمجتمع، في موازاة تجاهلها شبه التام لطبيعة الجريمة المرتكبة بحق الفلسطينيين. وحذرت صحيفة «هآرتس»، في افتتاحيتها، من خطر تسييس العدوان على قطاع غزة. وقالت إنه «كلما مرّت الأيام، يتعاظم الاشتباه بأن حملة الرصاص المصهور، تمر في عملية تسييس، وأن صراعات القوى الداخلية تضعضع قدرة الحكومة الانتقالية على الوصول إلى توافق». وأضافت أن «أهداف الحملة والشروط الجديدة لإنهائها، التي يطرحها رئيس الحكومة إيهود أولمرت، تبدو تماماً كتلك التي عرضها في خطابه في الكنيست في 17 تموز 2006. ففي حينه أيضاً، صرح أولمرت بأن الحرب ترمي إلى إحلال وقف نار تام على الحدود الشمالية، وانتشار الجيش اللبناني في كل مناطق جنوب لبنان، وإخراج حزب الله من المنطقة، والإزالة التامة لتهديد الصواريخ على سكان إسرائيل. أما النتيجة بالطبع فكانت مغايرة»، بحسب تأكيد «هآرتس». وقالت الصحيفة إنه «رغم الاستخدام المبالغ فيه للقوة، الذي يوقع خسائر وأضراراً فادحة بالسكان المدنيين في القطاع، فإن الحملة تتمتع حتى الآن بإجماع واسع». وأضافت أن «هذه الأجواء، التي رافقت القوات المقاتلة وخففت عن المواطنين في الجبهة الداخلية، تعاظمت في ضوء استعداد أصحاب القرار لقطع الحرب عن حملة الانتخابات وتأجيل الانتقاد لنظرائهم إلى أيام أكثر هدوءاً. غير أنه الآن يقتحم الخلاف حاجز الصمت، والحسابات السياسية العلنية بدأت تدور على ظهر جنود الجيش الإسرائيلي وسكان الجنوب، وكأنه لا يوجد غد».
بدوره، رأى ناحوم برنياع في «يديعوت أحرونوت» أن «المفتاح لفهم خطوات الحرب ليس في حركة القوات في غزة، ولا حتى في الخطوات الدبلوماسية في القاهرة أو في مداولات المطبخ السياسي المصغر في تل أبيب، بل هو موجود في عدد الضحايا في الجانب الإسرائيلي». وأضاف أنه بما أن عدد القتلى الإسرائيليين (تسعة جنود وأربعة مواطنين وفق الأرقام الإسرائيلية)، هو عدد يمكن المجتمع الإسرائيلي أن يحتمله، فالرسالة التي تتلقاها الحكومة من الشارع، من رؤساء السلطات المحلية الواقعة في مدى الصواريخ ومن الجنود في مناطق الدخول هي: استمروا إلى الأمام، هذا ليس الوقت للتوقف».
وقال برنياع: «تبين أن الدخول البري إلى غزة آمن نسبياً. وحشي جداً للغزاويين، ولكن في هذه الأثناء لهم فقط. وحتى كتابة هذه السطور، فإن الحملة تجري في شروط ديلوكس. وإذا دام هذا هو الوضع، فإن الشعب يحب الحملة. الشعب يريد المزيد». ولفت إلى أنه «من اليوم الأول للحملة، السؤال الذي كان يقلق كل أصحاب القرار هو مسألة كيف ومتى يتم الإنهاء. فأولمرت يطلب لنفسه مساراً آخر: بدلاً من استراتيجية خروج، استراتيجية نجاح. مواصلة توسيع الضغط العسكري. التفكير حتى بتنفيذ المقطع الأول من المرحلة البرية التالية. مستشاروه يسمون هذا تهديداً بمسدس مشحون: إذا تراجعت حماس أمام التهديد، فهذا جيد. وإذا لم تتراجع، فإن المسدس سيطلق النار».
وكتب عوفر شيلح في «معاريف» أن «إيهود باراك وغابي أشكنازي عرفا أن المجتمع الإسرائيلي، الذي خُدش قدس أقداسه في لبنان، يحتاج إلى عملية برية للجيش الإسرائيلي». وأضاف أن أشكنازي يعرف أنه «في تفجير مبنى واحد في صور، بعد خمسة أشهر من إعلان وقف النار في حرب لبنان الأولى، فقد الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن أكثر مما فقد في أي معركة منذ حرب يوم الغفران. وهو يعرف أن المرحلة التالية، التي يكثرون الحديث عنها، معناها تغيير في أهداف الحملة، وتكليف الجيش بمهمات جديدة، النجاح فيها لا يمكن أن يُقاس إلا بعد أشهر من المكوث والعمل. خلالها سيخرج من الجحور كل رجال الذراع العسكرية، ممن يختبئون جيداً الآن، بحيث إن عدداً صغيراً نسبياً منهم قد أُصيب فقط، وسيحاولون ملاحقة الجيش الإسرائيلي بالضبط بهذه الطرق». وعليه، يضيف شيلح: «فقد خطط أشكنازي لعمليته بحذر شديد، ومع الكثير من النار. وعليه، فإن تحديد هدف الجيش الردع من خلال ضرب حماس وتقليص نار الصواريخ وقذائف الهاون. ليس تحطيم حماس، ليس وقف التهريب».