جمهور كبير، غالبيته من طلاب المدارس، لبى دعوة المنظمات الشبابية إلى ثالث تظاهرة تنظم أمام السفارة الأميركية في عوكر. لكن خبر تردّد رئيس الجمهورية في اتخاذ قرار المشاركة في القمة العربية الطارئة التي ستعقد اليوم في الدوحة طغى على ما عداه من أحداث. توقف الجمهور عن الهتاف ضد بوش وباراك ومبارك وصرخ بصوت واحد «بدنا نعود بدنا نعود لأيامك يا لحود»
بسام القنطار
للمرة الثالثة منذ بدأ العدوان الإسرائيلي على غزة، اعتصم ما يقارب 2000 طالب أمام سفارة الولايات المتحدة الأميركية في عوكر. الاعتصام الذي نظمته المنظمات الشبابية لقوى 8 آذار، حافظ على هدوئه، ولم يسجل خلاله أي تصادم مع القوى الأمنية، وذلك نتيجة الطوق البشري الفاصل بين المتظاهرين والسياج الشائك، الذي أقامه عناصر التعبئة التربوية لحزب الله. ورغم خرق الهدوء، بوابل من الحجارة والعصي التي رميت بين الحين والآخر باتجاه القوى الأمنية، فإنّ ذلك لم يستدع الرد من عناصر مكافحة الشغب، ولم تدشن خراطيم المياه ولا البنادق التي ترمي القنابل المسيلة للدموع، على غرار ما حصل في اعتصام القوى اليسارية، الذي سيتكرر عند الثانية عشرة من نهار الأحد المقبل. وعلى قدر الهدوء الأمني الذي ميز التظاهرة، شهدت تصعيداً سياسياً غير مسبوق، ضد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، على خلفية موقفه المتردد من المشاركة في القمة العربية التي ستعقد اليوم في الدوحة.
ففي الوقت الذي كان فيه الطلاب يحرقون العلم الإسرائيلي ويضربون بالعصي صورة كبيرة لوزير الحرب الإسرائيلي ايهودا باراك، اعتلى مسؤول التعبئة التربوية لحزب الله في كلية الآداب عباس قطايا المنبر وقال: «لقد وصلَنا خبر أن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان اعتذر عن عدم حضور القمة العربية في الدوحة». فصرخ الجمهور مستهجناً: «هووووووو». بعدها أكمل قطايا خطابه قائلاً: ردّدوا معي «ما بدنا جمهورية توقف ضد القضية. بيروت حرة حرة أمريكا طلعي بره». إلا أن العبارة التي نالت أكبر قدر من التصفيق والصراخ تقول: «بدنا نعود بدنا نعود لأيامك يا (رئيس الجمهورية السابق العماد إميل) لحود». فما كان من الجمهور أن أكمل هتافه بدون الاستعانة بالخطيب «يا سليمان يا سليمان يا عميل الأمريكان». و«كان عميل صارو تنين حسني مبارك وسليمان». لكن قطايا أمسك زمام المبادرة من جديد وقال: «كنا نعتقد أن لدينا رئيساً مثل الرئيس الفنزويلي هيوغو تشافيز الذي قطع العلاقات مع إسرائيل وطرد سفيرها من بلاده». وأضاف: «نقول لرئيس الجمهورية «بيروت لن تكون عاصمة تابعة لدول ما يسمى الاعتدال العربي، بل كانت وستبقى عاصمة المقاومة. فخامة الرئيس نستحلفك بدماء شهداء قانا، بدماء شهداء الجيش اللبناني وعلى رأسهم الشهيد الملازم أول جواد عازار أن تشارك باسم لبنان في القمة العربية».
وتميزت التظاهرة بحضور كثيف لطلاب المدارس، وعلى قدر الحماسة التي يتمتع بها هؤلاء، فإن حداثة انخراطهم في أنشطة مماثلة، جعلت منهم جمهوراً فوضوياً تسبب بالكثير من الإشكالات، وخصوصاً عندما أصروا على الاقتراب من السياج الشائك، ما أدى إلى تدافع وتضارب بالأيدي أكثر من مرة مع عناصر الانضباط، وفي إحدى الحالات صرخ عنصر بوجه أحد الطلاب الذي كان لتوّه قد رمى حجراً باتجاه القوى الأمنية: «انقبر ارجاع لورا، بكرا بس تروح على الحدود مع اسرائيل عمول عنتر مش هون». وفي الوقت الذي شُغل فيه الانضباط بإبعاد الطلاب عن السياج، كان عدد آخر من هؤلاء قد بدأ لعبة من نوع آخر. إذ عمد أحدهم إلى تسلّق عمود كهربائي ثبّت عليه علماً لحزب الكتائب، فنزعه ووضع العلم الفلسطيني مكانه. ولقد نالت هذه الخطوة تصفيقاً حاداً من جانب الجمهور. الأمر الذي شجع طالباً آخر على حمل العلم اللبناني وتسلق العمود نفسه وصولاً إلى رأسه، متخطياً الأسلاك الكهربائية التي تمثّل خطراً مباشراً على حياته، وغرس العلم اللبناني، فنال تصفيقاً إضافياً من الجمهور. وفي غمرة تسلق العواميد وتأرجح بعض المشاركين على علم أمسك بجهاته الأربع متظاهرون آخرون، وصنع ..أهرام بشرية وسقوطها، بدأ الجمهور بالتلويح لسيدة أطلت من شرفة أحد المباني وهي تصرخ بعصبية. ظن الطلاب للوهلة الأولى أنها تستهجن التحرك، فكالوا لها الشتائم. اختفت السيدة للحظات ثم عادت حاملة صورة لرئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون، يعلو الهتاف من جديد، ويلوّح لها الطلاب بأيديهم راسمين شعار التيار الوطني الحر.
ختام التظاهرة كانت مع كلمة المنظمات الشبابية ألقاها هشام طبارة، الذي أكد أن «غزة انتصرت والغزوة انهزمت». وخاطب طبارة الرئيس سليمان قائلاً: «لا تسمع لمن يريدون منك أن تكون تابعاً لدول التآمر العربي على غزة. ندعوك إلى المشاركة في القمة ليس فقط من أجل فلسطين بل من أجل مصلحة لبنان الرافض للتوطين».
بدوره أكد عضو المجلس السياسي لحزب الله الحاج محمود قماطي «أن قصف إسرائيل للمراكز الإنسانية في غزة يدل على عجزها وهزيمتها أمام المقاومين». وأضاف: «إسرائيل هزمت ومعها عدد من الدول العربية والإدارة الأميركية». وطالب قماطي الرئيس سليمان بأن «ينفذ ما وعد به خلال خطابه في بداية العدوان على غزة». وأكد أن «قرار المشاركة في القمة اتّخذ في مجلس الوزراء، ويجب أن لا يخضع رئيس الجمهورية ولا الحكومة لأي ضغوط أميركية أو عربية».