القاهرة ــ الأخبار«آخر خدمة الغزّ (النذل العثماني) علقة». ينطبق هذا المثل الشعبي المصري القديم في تفسير موقف القاهرة «القوي»، تعليقاً على توقيع واشنطن وتل أبيب اتفاقية تفاهم ثنائية لمنع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة الفلسطيني.
اتفاقية يتوقع حكّام القاهرة أن تكون لها آثار وخيمة على الأمن القومي، إذ إن إجراءات منع التهريب بموجب هذه الاتفاقية، لا تأخذ بعين الاعتبار مشاركة مصرية. حتى إن واشنطن وتل أبيب لم يُعلما القاهرة مسبقاً ببنودها، رغم أنها تتصل اتصالاً وثيقاً بمصر.
وتكمن خطورة هذه الاتفاقية في أن الدولة العبرية التي اعتادت اتهام مصر «بالتقصير» في مكافحة التهريب عبر الأنفاق الحدودية، نجحت هذه المرة مع الولايات المتحدة في إبعاد مصر عن أي ترتيبات أمنية. تطوّر أخرج القاهرة عن صمتها بما أنّها تعتبر نفسها الدولة المعنية الأولى بهذا الموضوع.
واستبق الرئيس حسني مبارك قرار حكومة إيهود أولمرت بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، بإلقاء بيان عاجل، أول من أمس، دعا فيه دولة الاحتلال إلى «وقف إطلاق النار فوراً». وفي ما بدا أنه بمثابة دفاع أخير عن المبادرة المصرية التي نعتها كلّ من واشنطن وتل أبيب، قال مبارك «إنّني أطالب إسرائيل اليوم بوقف عملياتها العسكرية على الفور، وأطالبهم بانسحاب قواتهم خارج القطاع». وعن وجود مراقبين أجانب على الأراضي المصرية، رفع مبارك من سقف رفضه المطلق لهذا الوجود على اعتبار أنه «خط أحمر لن نرضى بخرقه».
وفي تكرار لتحميل المقاومة الفلسطينية مسؤولية التسبّب بالعدوان الإسرائيلي، قال الرئيس المصري «حذّرنا الفلسطينيين من تداعيات رفض تمديد التهدئة»، قبل أن يعود ويتبرّأ من تهمة أنّ مصر حاولت إملاء مواقف معينة على الفلسطينيين. وفي ردّ على اتهامات بعض الدول العربية ضد بلاده، تساءل «ماذا فعلت دول الممانعة لدعم الفلسطينيين أو تحرير الدول العربية؟».
ولم يجد الرئيس المصري سوى استذكار التاريخ للدفاع عن سلوك نظامه إزاء العدوان، مشدّداً على أنّه لن يسمح بمزايدات ممن «لم يقدّموا أيّ شيء للقضية الفلسطينية». وعرض جهود بلاده في القضية قائلاً «كنا مع أبو عمار (الزعيم الراحل ياسر عرفات) في نضاله من أجل شعبه، وأخرجناه من حصاره في لبنان، وكنا معه في مؤتمر مدريد، ودعمناه كرئيس للسلطة الفلسطينية، وصاحبته مصر في عودته إلى غزة منذ 1967». حتى إنه ذكّر بأنّ مصر «كانت مع ياسر عرفات في كامب ديفيد عام 2000، وفي الانتفاضتين الأولى والثانية، ومع أبو مازن في جهوده من أجل دولة فلسطينية».
وعن معبر رفح، كشف مبارك عن أنّ حكومته فتحته «منذ اليوم الأول للعدوان، وأدخلنا عبره ما يزيد على ألف طن من المساعدات الإنسانية، وأخرجنا الجرحى»، مدافعاً عن مبادرة بلاده التي تولّى المدير العام للاستخبارات عمر سليمان مهمة متابعتها، «في ظل غياب أي مبادرة أخرى لوقف النار».
ووجّه مبارك رسالة إلى قادة دولة الاحتلال، مفادها: «أقول لقادة إسرائيل إن عدوانكم لن يحقق أمنكم وسيزيد صمود الفلسطينيين ويعزز الكراهية تجاهكم ويقطع الطريق أمام السلام، وستعمل مصر فور وقف النار لإعادة التهدئة في غزة».
وفي تعليقهم على خطاب مبارك، رأى دبلوماسيون غربيون أن كلمته عكست قلقه «من محاولات تغييبه في اللحظات الأخيرة عن التفاصيل المتعلقة بوقف الحرب».
وفي السياق، كان وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط شديد الوضوح في الرفض المطلق للاتفاقية الأميركية ـــــ الإسرائيلية، مشيراً إلى أنّ مصر ليس لديها أيّ التزام تجاه هذه الاتفاقية.
ورداً على أسئلة الصحافيين عن هذا الموضوع، أوضح «نحن لا نعلم عنها شيئاً ولا تعنينا في شيء». وقد رفع رئيس الدبلوماسية المصرية من حدّة لهجته إزاء واشنطن وتل أبيب، متهماً الدولة العبرية بأنها «أصيبَت بسكرة القوة» في العنف الذي ارتكبته في غزة. وعن إجراءات منع تهريب الأسلحة، قال «يمكنهم (القوى الخارجية) أن يستعرضوا قوّتهم في أعالي البحار، لكنهم لا يمكنهم فعل شيء على الأراضي المصرية».