مهدي السيدما إن هدأ دوي المدافع والصواريخ الإسرائيلية حتى بدأت تُسمع أصداء مواقف المسؤولين الإسرائيليين من العدوان. بعض هؤلاء كشف أن وقف الحرب ناجم عن التعب منها، وأن ما ساعدهم على اتخاذ هذا القرار اتفاق مكتوب وُقّع بين تل أبيب والقاهرة وتعهد شفوي من الرئيس المصري، حسني مبارك، إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي المستقيل، إيهود أولمرت، بقي مضمونه طي الكتمان.
وبقي قرار الحكومة الإسرائيلية وقف إطلاق النار من جانب واحد، موضع أخذ وردّ ومادة للتجاذب السياسي الداخلي، على خلفية تشكيك البعض بحكمة هذا القرار وجدواه السياسية والأمنية بحجة عدم تحقيق أهداف العدوان وتفويت الفرصة المناسبة للقضاء على حكم «حماس» في قطاع غزة، في مقابل البعض الآخر الذي يدّعي تحقيق العدوان لأهدافه، وبالتالي صحة القرار بوقفه.
وفي ضوء هذا النقاش، حاولت صحيفة «معاريف» الغوص في تفاصيل القرار وخلفياته، متوقفة عند آراء ومواقف عدد من الوزراء، إضافة إلى مواقف كبار المسؤولين الأمنيين في «الشاباك» و«الموساد» والجيش. من هنا انطلقت في مقاربتها للموضوع من السؤال البديهي، وهو «لماذا أوقفنا الحرب حقاً؟». وقد وجدت الصحيفة جوابه في كلمة واحدة «لأننا تعبنا»، مستندة في ذلك إلى اعتراف وزير رفيع المستوى في حديث خاص قال فيه: «هذا ليس سهلاً. فإدارة حرب أمر يمزق الأعصاب، ولا سيما في ظل ثقافة لجان التحقيق التي طورناها هنا، كل خلل أو خطأ بالصدفة أو انعدام الحظ يمكن أن يُنهي لك حياتك السياسية. غداً يدخل (الرئيس الأميركي باراك) أوباما البيت الأبيض، العالم أصبح ضدّنا. صحيح، توجد للدولة مصالح، ولكن هذه يمكنها أن تنتظر».
وتطرقت «معاريف» إلى مبررات أولمرت لوقف العدوان، فأشارت إلى أنه قال بعد خطاب إعلان وقف النار إن «إسرائيل استنفدت الشرعية الدولية للحملة»، مضيفاً أنّ «القرار بإنهائها كان محتوماً. ونحن نحتفظ في أيدينا بكل الروافع الممكنة». والروافع، بحسب «معاريف»، هي استمرار وجود الجيش الإسرائيلي في غزّة، وهذا ما اتُّفق عليه مع مصر.
وهنا أكّدت «معاريف» أنّ «الاتفاق مع القاهرة مكتوب. ورقة مفصلة، جلبها معه عاموس جلعاد. وإضافة إلى ذلك، تلقى أولمرت وعداً شخصياً، شفوياً، من مبارك».
في موازاة موقف أولمرت، عزا وزير الدفاع، إيهود باراك، قرار وقف النار إلى «الضربة التي تلقتها حماس، ما أوجد قدرة ردع تتيح إعادة الهدوء»، فيما علقت وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، على القرار قائلةً: «حينما يكون الخيار بين الاستمرار مع جني فوائد قليلة، والغوص في الوحل بعد ذلك، فقرار الخروج في هذه الحالة لا يحتاج إلى حكمة».
وبالعودة إلى ما كشفته «معاريف» من بعض ما دار في الكواليس من مواقف وتعليقات، فقد ذكرت أن رئيس «الشاباك»، يوفال ديسكين، كان أقل قطعاً من أولمرت إزاء الموقف المصري، إذ قال: «المصريون أظهروا هذه المرة استعداداً لفظياً، أكثر بكثير من الماضي». وأضاف: «تحدثوا سابقاً ولم يخرج شيء. الآن، مبارك أيضاً يعد شخصياً، ويوجد ضغط دولي. هل هذا سيجدي؟ أشك».
أما الوزير حاييم رامون، فلم يكن راضياً من القرار، إذ قال: «فوتنا فرصة تاريخية. بعد هذا الأداء للجيش وأذرع الأمن، كان يمكن تحطيم محور الشر». لكن بحسب «معاريف»، رامون أيد القرار، إذ «ليس فقط إسرائيل تعبت من الحرب، رامون أيضاً تعب».
وحظي خيار رامون بوقف العملية البرية والمواصلة من الجو، أيضاً بتأييد ديسكن. كذلك كان لرئيس «الموساد»، مئير دغان، «توصية مشوقة»، إذ قال: «ينبغي ضرب حماس بكل القوة الآن».
وثمة سؤال آخر شغل بال المسؤولين «ماذا سيحصل الآن؟». تجيب «معاريف»: «بعد أسبوع سيخرج إسماعيل هنية من بين الحطام، ينفض الغبار عن بذلته، يمسح بعض العطر على ذقنه، ويعلن النصر»، ولهذا قال وزير المواصلات، شاؤول موفاز، خلال جلسة الحكومة الأخيرة، إنه «محظور السماح لحماس بترميم غزة»، ما دفع بحاييم رامون إلى الضحك، متسائلاً: «من يرمم غزة إن لم يكن حماس؟». ووجدته «معاريف» محقاً، ذلك أن «مفاتيح غزة بيد حماس. فكل دولار أو يورو يمر هناك سيصل إليهم. هم يوزعون ويوجهون وهم في النهاية سينتوتخلص الصحيفة إلى القول إن «هذه الصور لحماس تحتفل، وربما أيضاً معابر مفتوحة تحت ضغط دولي، ستجعل بنيامين نتنياهو ينتصر في الانتخابات».