لم يُقدّر للقمّة الاقتصاديّة العربيّة الأولى من نوعها أن تعقد في ظروف مناسبة بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة. و«منتدى القطاع الخاص والمجتمع المدني» التحضيري لها بقي حبيس الواقع المرير الذي تعبّر عنه أرقام تزداد سلبيّتها في أمّة تعيش على 10 في المئة من مساحة المعمورة: عُرض الواقع من دون التطرّق إلى أسبابه وإن ذُكر «عدم الالتزام السياسي»!
الكويت ــ كندة محمدية*
تتخبّط المنطقة العربية منذ مدة بمسار إصلاحي يفتقر إلى عملية تشاركية ديموقراطية تسمح بتوفير الدعم من جانب القطاع الخاص والمجتمع المدني لما تطرحه الدول العربية من خطوات إصلاحية. لا بل إنّ غياب المشاركة السياسية السليمة يدفع بالعديد من منظمات المجتمع المدني إلى رفض الطروحات الإصلاحيّة واعتبارها وصفات للتغيير لا تقوم على الأولويات والاحتياجات الوطنية، لا بل تحمل مصالح دول وشركات وقوى اقتصادية خارجية.
ويبقى التساؤل عن دور الدولة المطلوب وكيفية بناء الشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني في أساس التحدي القائم على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتنموي في المنطقة العربية. وقد أشار الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، في افتتاح المنتدى إلى أنّ المنطقة تحتاج إلى «توازن بين دور الدولة ودور القطاع الخاص والمجتمع المدني ليكون التخطيط شاملاً وقائماً على ما يريده أصحاب المصلحة أي الناس، إضافةً إلى توازن في الاهتمام ما بين مقاربة الناحية الاجتماعية والنواحي الاقتصادية».
وأكدت الأجواء التي سيطرت على المنتدى الالتزام بالتوجّه نحو تعزيز الأقلمة (Regionalism) كخيار جيو ـــ سياسي واقتصادي للمنطقة العربية. وقد ركزت دعوات العديد من المتحدثين على تعزيز العمل باتجاه تكوين «أسرة عربية اقتصادية» على غرار التجربة الأوروبية.
غير أن الأرقام التي عرضتها الأمينة العامة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، ميرفت تلاوي، تشير بوضوح إلى التحديات الكبرى التي تواجه الدول العربية. فالمنطقة التي تمثّل 10 في المئة من مساحة الأرض وتضم 5 في المئة من سكان العالم لا تنتج أكثر من 2.6 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي ولا تشارك بأكثر من 4,5 من التجارة العالمية و5.7 من الصادرات العالمية، ولا تحصل إلا على 4.7 في المئة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ظروف تؤدّي إلى رزوح 100 مليون من المواطنين تحت خط الفقر بينما يظل 20 مليون عربي عاطلين من العمل.
وعموماً سيطرت على أجواء المنتدى تساؤلات عن آثار الأزمة المالية والاقتصادية العالمية في مستقبل المنطقة الاقتصادي والتنموي. وتواترت في الجلسات أسئلة عديدة عمّا إذا كان توجّه اقتصاد السوق قد انتهى أم أنّه لا يزال المنهج الاقتصادي الأمثل لاعتماده عالمياً وعربيّاً.
من جهة أخرى، تناول المنتدى سياسات التجارة البينية في المنطقة، فتعددت الدعوات إلى تطوير التعاون في الفترة المقبلة وإعادة النظر في منظومة القوانين الجمركية العربيّة. وفي هذا الصدد شدّد وزير التجارة والصناعة المصري، رشيد محمد رشيد، على أن ما تحقّق في مجال التجارة العربيّة البينيّة أقلّ بكثير من الأهداف التي وضعتها الدول العربيّة، وخصوصاً أنّ نسبتها لا تزال تراوح ما بين 10 في المئة و13 في المئة من مجمل تجارة البلدان العربية، فيما الاستثمارات العربيّة البينيّة تقلّ عن ربع الاستثمارات العربية الإجمالية.
وهذا الواقع يعود، بحسب رشيد، إلى غياب «الالتزام السياسي» بين الدول العربية بالتعاون الاقتصادي الذي هو من الأسباب الرئيسية لهذا الواقع، مؤكداً أنّه فيما لو كان حجم التجارة البينية حوالى 60 في المئة، لكانت طبيعة النقاش السياسي القائم بين البلدان العربية مختلفة.
ورغم الأرقام السلبيّة المخيّبة، لم يتطرق المنتدى إلى الأسباب الرئيسيّة للفشل، ولعلّ أهمها هو انفتاح البلدان العربية على الأسواق الخارجية أكثر من انفتاحها على بعضها بعضاً، وغياب التنسيق في السياسة التجارية للبلدان العربية. إضافةً إلى أنّ الدخول في اتفاقيات التجارة الحرة مع عدد من البلدان المتقدمة يؤدي إلى تقليص مساحة السياسة المتاحة للدول العربية بما لا يسمح لها بتعزيز التعاون الإقليمي وتفعيل منطقة التجارة العربية الحرة.
ففي ضوء الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، لا بد من إعادة النظر في إعطاء الأولوية لهذه القضايا في إطار النظام التجاري المعتمد. ويوجب مثل هذا التوجّه النظر في السياسات المعتمدة تجاه القطاعات المنتجة، ولا سيّما الزراعة والصناعة والخدمات في المنطقة العربيّة. فرغم عدم تخصيص حيّز خاص في إطار المنتدى لنقاش السياسات الصناعية، جرى التعرّض للسياسات الزراعية وعلاقتها بالأمن الغذائي. فعدد الجيّاع في المنطقة العربية وصل إلى 31 مليون جائع ما يمثّل 10 في المئة من سكان المنطقة، أي بزيادة 6 ملايين جائع مقارنةً بعام 1992، وتتركّز الزيادة في اليمن والسودان.
* مديرة البرامج في شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية


مشاركة جزئيّة!

شارك في المنتدى أكثر من 500 شخص من 20 بلداً عربياً. وتخلّلته جلسات عمل مفتوحة تناولت المحاور التي طرحت في القمّة، ولُحظ الدور والمساحة اللذان أعطيا في جلسات العمل للجهات الحكومية والوزراء الحاليين والسابقين، إضافةً إلى مؤسسات دولية كالبنك الدولي والمنظمة العالمية لحماية الملكية الفكرية ومؤسسة التمويل الدولية، وغاب ممثلو المجتمع المدني عن منابر المنتدى إلّا من خلال الدقائق المعدودة التي منحت لبعضهم للتعليق على ما ورد من تقديمات. فهل تمثّّل القمم المقبلة فرصة لتطوير آليّة الانخراط والشراكة مع المجتمع المدني؟