في مقال نشرته «نيويورك تايمز» أمس بعنوان «رزمة تحفيز للعالم»، يدعو رئيس البنك الدولي روبرت زوليك الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى قيادة الجهود العالميّة من أجل مساعدة البلدان النامية على تخطيّ تداعيات الأزمة الاقتصاديّة، ويطلب إنشاء صندوق كوني باستخدام 0.7 في المئة من الناتج العالمي، يديره البنك والولايات المتّحدة، لأنّ «فقراء أفريقيا يجب ألّا يدفعوا ثمن أزمة بدأت في أميركا»
روبرت زوليك*
خلال الأيّام الـ100 الأولى من رئاسته، سيحضر باراك أوباما قمّته الكونيّة الأولى: اجتماع في نيسان المقبل لمجموعة الدول العشرين الكبرى (G20) في لندن. وخلالها عليه أن يرسل إشارة أمل جريئة، ويدعو كلّ بلد نام إلى التعهّد بمنح 0.7 في المئة من خطّة التحفيز الاقتصادي التي أقرّها لتأسيس صندوق هدفه مساعدة البلدان النامية التي لا تسطيع تحمّل أكلاف الخطط الإنقاذيّة والعجز. وتستطيع الولايات المتّحدة إطلاق تلك العمليّة من خلال تقديم 6 مليارات دولار كجزء من خطّة الـ825 مليار دولار المخصّصة لتحفيز الاقتصاد. وبهذه الخطوة المتواضعة تستطيع تسريع عمليّة تعافي الاقتصاد الكوني ومساعدة الفقراء حول العالم وإعطاء زخم لتأثيرها في ما يتعلّق بالسياسة الخارجيّة.
ليس هناك وقت للتضييع. فالأزمة الاقتصاديّة قد أعادت 100 مليون نسمة إلى الفقر. وانخفاض الصادرات (بسبب انخفاض الطلب) يهدّد بطرد العمّال حول العالم. وفي كثير من المناطق يشهد الاستثمار الوطني والأجنبي جموداً. وعلى الرغم من أنّنا تجنّبنا انهياراً للعملات شبيهاً بذلك الذي حدث عامي 1997 و1998، إلّا أنّ عام 2009 سيكون خطيراً.
الخبر الجيّد هو أنّه إذا أرسل أوباما الإشارة المناسبة، فالعديد من الدول ستساهم في الصندوق... أمّا بالنسبة لإيطاليا، التي تستضيف اجتماعاً لوزراء مال مجموعة الدول الصناعيّة الثماني الكبرى (G8) الشهر المقبل، فعليها تعبيد الطريق لاجتماع «G20» من خلال جعل إنشاء الصندوق أولويّة. ويمكن للبنك الدولي والولايات المتّحدة ومصارف التنمية الإقليميّة، إدارة الصندوق في ما بعد من أجل توفير مرونة وسرعة في إيصال المساعدات، مع تأمين أنّ الأموال تُنفق بشكل مناسب.
وهناك ثلاث أولويّات لاستثمارات الصندوق. أوّلاً، نحن نحتاج إلى برامج شبكات أمان تتناسب مع قدرات البلدان النامية. فخلال العام الماضي، حين كانت أسعار الغذاء والمواد الأولويّة ترتفع، عمل البنك الدولي مع وكالات الأمم المتّحدة لزيادة عدد برامج «الغذاء مقابل العمل». والتزمنا بحوالى 1.2 مليار دولار لتمويل مشاريع كثيرة. وهذه الاستثمارات... هي أكثر من إعانات مؤقّتة ضدّ الفقر، لأنّها استثمارات بالرأسمال البشري. والصندوق المقترح سيساعد في توسيع هذه المشاريع المتواضع لمصلحة الفقراء.
ثانياً، الاستثمارات في البنى التحتيّة تؤمّن فوائد هائلة. وانظروا فقط إلى الصين التي برهنت منذ 10 سنوات أنّ مشاريع البنى التحتيّة المختارة بحكمة تستطيع خلق الوظائف وفي الوقت نفسه بناء أساس للإنتاجيّة والنموّ. والبنك الدولي يزيد دعمه لتلك المشاريع إلى 15 مليار دولار سنوياً خلال الأعوام الثلاثة المقبلة...
وثالثاً، الصندوق سيدعم المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة الحجم ومؤسّسات التمويل الصغيرة. فالأعمال الصغيرة هي الأكثر مرونة من ناحية التوظيف. وأزمة الائتمان تضغط على تلك الأعمال وعلى مموّليها، فيما المؤسّسات المملوكة من الحكومات والشركات الكبيرة تحصل على المساعدات. وقد استجاب البنك الدولي بالفعل للأزمة الماليّة بطرحه خططاً لإعادة رسملة المصارف في البلدان النامية... والصندوق المقترح سيكمل تلك المبادرات.
تفيد الحكمة التقليديّة بأنّ الكونغرس (حالياً) لا يمكن أن يلتفت إلى المساعدات الخارجيّة... (لكن) الآن هناك محفّز آخر لأميركا لتقديم المساعدة: بناء المشاريع في الخارج يحتمل أن يرفع الطلب على المعدّات الأميركيّة.
يجب ألّا يدفع الفقراء في أفريقيا ثمن أزمة بدأت في أميركا. ففيما تبلغ المساعدات الكليّة من البلدان المتقدّمة إلى البلدان الفقيرة 100 مليار دولار سنوياً، وهو مبلغ متواضع مقارنة مع حاجات البلدان الناشئة، تشدّد الأمم المتّحدة على وجوب أنّ تمثّل قيمة المساعدات نسبة 0.7 في المئة من الاقتصاد. والمساعدات التي تقدّمها الولايات المتّحدة تمثّل الآن 0.2 في المئة من الاقتصاد الأميركي (حوالى 27.8 مليار دولار)، على الرغم من أنّ الإحصاءات تفيد بأنّ الشعب الأميركي مستعد للتبرّع أكثر.
وأخيراً، فإنّ الدعم للصندوق المذكور قد يخفض حدّة الأزمة الاقتصاديّة العالميّة وطولها، ويحتوي انبعاث الاضطرابات الاجتماعيّة ويساعد على إنقاذ جيل من فخّ الفقر. وبأقلّ من 1 في المئة من خطّة التحفيز الأميركيّة، يستطيع الرئيس أوباما قيادة قمّة الـ«G20» في لندن وإعادة تقديم أميركا للعالم.
* رئيس البنك الدولي


استعداد للمساعدة

يشير روبرت زوليك إلى استعداد زعماء العالم لزيادة المساعادات على الصعيد العالمي. وبقول إنّ «رئيس الوزراء البريطاني، غوردن براون، أعرب عن اهتمامه بالفكرة. وفي العام الماضي دعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى زيادة المساعدة. كما تريد المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل المساعدة في تمويل مشاريع الإعمار في البلدان الفقيرة». يذكر أنّ «اليابان تعهّدت بمساعدة البنك الدولي على إعادة رسلمة المصارف في البلدان الفقيرة، كما تبحث المفوّضيّة الأوروبيّة كيفيّة المساهمة أكثر».