تصاعدت في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أمس، المخاوف من الحمائيّة مع ارتفاع حدّة الأزمة الاقتصاديّة العالميّة. ولكن فيما يحكم القلق المصرفيّين في المدينة السويسريّة هناك منتدى اجتماعي بديل معقود في البرازيل «لا يتعاطى السياسة ويعرض النضالات»، وعدد المشاركين فيه يساوي 40 ضعفاً عدد الموجودين في المنتجع الفخم في جبال الألب
بيليم ــ بول الأشقر
يُعقد المنتدى الاجتماعي التاسع في بيليم شمال البرازيل. ونشاطاته الثقافية الموازية احتلت مسارح المدينة وصالات عرضها وشيّدت منصات في عدد من أحياء وسط بيليم الأثرية حيث تقام كل ليلة حفلات موسيقية. ولكن «أرض المنتدى» الحقيقيّة المشغولة بذاتها وبغيرها طوال الأسبوع قائمة على حرم أكبر جامعتين في بيليم وأراضيهما ومبانيهما. وفي هاتين الجامعتين، يجري خلال الأسبوع أكثر من ألفي نشاط تتولّى مسؤوليتها ألف هيئة مشاركة ومنظمة للمنتدى. وقد يسجّل الناس للمشاركة في المؤتمر إمّا بصفة انتمائهم لهيئة وإمّا بصفة فردية.
من هنا تبدأ الفوارق مع المنتدى الاقتصادي العالمي المعقود في دافوس السويسريّة. صحيح أنه في بداية العقد، وعندما كان مؤتمر دافوس يوزع على مجتمعيه من مسؤولين ومقررين منافع النيو ليبرالية المنتصرة، استفادت هذه الهيئات التي أرادت أن ترفع صوت المتضرّرين أو المعترضين من تلك النيوليبرالية من عقد منتداها الناشئ في الأسبوع ذاته (وبقي تقليداً) من أول شهر في السنة المبتدئة. وذلك للفت الأنظار. ونجحت أكثر مما كانت تتوقع وملأت حاجة حقيقيّة وصار المنتدى الإجماعي يُعرف دون أن ينفي التسمية بـ«ضدّ دافوس» (Anti-Davos).
يبدو «شعب» المنتدى وريث تلك التجمّعات الاحتفالية الكبيرة التي ميّزت الستينيّات والسبعينيّات من القرن الماضي، بشبابه وبأنماطهم السلوكية مثل «وودستوك» وغيرها. من المئة ألف مشارك (2500 مشارك في دافوس) هناك حوالى 20 ألفاً ينامون تحت الخيم في مخيمات المنتدى. ومن هؤلاء المئة ألف الذين يدفعون اشتراكاً زهيداً للمشاركة في النشاطات تختلف قيمته حسب القارة (حوالى 60 دولاراً للأغنياء و15 دولاراً للفقراء)، يقدّر عدد الأجانب (غير البرازيليّين) بـ30 ألف مشارك غالبيّتهم بالطبع من أميركا اللاتنية. أمّا البرازيليون، فهم يتقاسمون بالتساوي تقريباً بين الشماليّين والجنوبيّين.
جسم المعرض الموازي لقاعات الاجتماعات مؤلف من رفوف تستعملها النقابات لعرض مطالبها ونضالاتها والمؤسسات غير الحكومية الكبيرة، منها «Oxfam» و«Green Peace»، والصغيرة للتدليل على مشاريعها واهتماماتها، وعدد من الأحزاب «اليساروية» الصغيرة للجهر بمواقفها. أيضاً، هناك دائماً نوع من السوق الحرفي تعرض فيه منتجات «الاقتصاد المتضامن» وأيضاً المنتجات المحليّة.
لذلك يذكر شيكو فيتاكير، أحد ملهمي فكرة المنتدى، من وراء لحيته البيضاء «ليس ثمّة قيادة للمنتدى بل هيئة تنسيق»، ولا جدول أعمال حقيقياً لأن النشاطات من مسؤولية الهيئات المشاركة وهي بطبيعة الحال متفاوتة. «المنتدى كمنتدى لا يتعاطى السياسة ولا يصدر بيانات ولا حتى بياناً ختامياً، ومن يأخذ هذه المواقف هو الهئيات» التي تستعمل المؤتمر لتبادل تجاربها وعقد تحالفاتها وإعادة تقويم أولويّاتها.
ويضيف فيتاكير «إلّا أن كل منتدى هو دائماً حصيلة تاريخه وجغرافيته». وهذه السنة «التاريخ هو الأزمة الاقتصادية والحرب على غزة وانتخاب باراك أوباما». أما الجغرافيا، فهي الأمازون الموجودة بقوة، ومن جوانبها المختلفة». والمقصود ليس فقط الغابة الأكبر في العالم على أهميّتها وتأثير تآكلها في نظام الطقس العالمي، بل أيضاً بشعوبها وتناقضاتهم ومشاكلهم وثقافاتهم.
وفي المقابل تزداد الضغوط والتوتّرات في المنتدى الاقتصادي العالمي في جبال الألب السويسريّة. فكلّ يوم يحمل جديداً متعلّقاً بهواجس المصرفيّين وزعماء العالم الرأسماليّ والعولمة الماليّة.
الصرخة يوم أمس كانت متعلّقة بالحمائيّة الاقتصاديّة العالميّة. حيث تحدّث وزير التجارة الهندي، كمال ناث، عن «أصداء حقيقيّة للحمائيّة في بعض الأماكن». وحذّر من أنّه إذا ارتفعت وتيرة اعتماد معايير الحمائيّة في البلدان الغربيّة فإنّ «الهند ستجد نفسها مجبرة على تبنيّ معايير جديدة ضدّ تلك البلدان، لن تكون مفيدة لأحد».
وغداة تشديد الجانبين الصيني والروسي على أنّ الاستهلاك القائم على ديون غير مكبوحة ومدروسة هو الأساس في إطلاق الأزمة الأخطر التي تولّد كساداً هو الأخطر منذ 80 عاماً، يبقى كبار المصرفيّين تائهين في معمعة كيفيّة إنقاذ مؤسّساتهم بمساعدة حكوميّة، وفي الوقت نفسه ضمان الاستقلال وإبعاد شبح التأميم.
فروق كثيرة موجودة تاريخياً بين بيليم ودافوس. ولكن هذا العام فإنّ الرأسماليّة فقدت الكثير من نكهاتها بسبب الأزمة الماليّة، ما يجعل واقع الاختلاف: قلق في جبال الألب وطموحات كبيرة للتوجّه الاجتماعي البديل في الأمازون.


يساريّة ممكنة!

تأسّس المنتدى الاجتماعي البديل في بورتو أليغري البرازيليّة في عام 2001، رافعاً شعار «عالم بديل ممكن». وسيشارك فيه هذا العام 5 رؤساء يساريين من أميركا اللاتينية لمناقشة مبادرات مشتركة لمواجهة الأزمة التي تضرب الرأسمالية، هم لولا دا سيلفا البرازيلي وهوغو تشافيز الفنزويلي وإيفو موراليس البوليفي ورافاييل كوريا الإكوادوري وفرناندو لوغو من الباراغواي. وسيبحثون انعكاس الأزمة على بلدانهم ونماذج التنمية الرأسمالية ومكافحة التغيرات المناخية، في لقاء سيضمّ آلاف الناشطين يعقد في قاعة المؤتمرات.