strong>تزداد حدّة تشاؤم التقارير الدوليّة في شأن آفاق الاقتصاد العالمي، بفعل انعكاسات الأزمة الماليّة. ففيما يُنتظر ارتفاع معدّلات البطالة إلى مستويات تذكّر بالكساد العظيم في القرن الماضي، تتوقّع الأمم المتّحدة أن يتباطأ نموّ الاقتصاد العالمي إلى 1 في المئة في 2009 وتدعو إلى برامج تحفيز عالمية منسّقة للحدّ من تأثير التباطؤ في اقتصادات الغرب على الدول الفقيرة
يتوقّع تقرير «وضع وآفاق الاقتصاد العالمي 2009» الذي تعدّه منظّمة الأمم المتّحدة أن يتباطأ نموّ الاقتصاد العالمي إلى 1 في المئة في العام المقبل، من 2.5 في المئة هذا العام، بل وقد يحدث انكماش إذا اتضح أن حزم التحفيز كانت أقل مما ينبغي وبعد فوات الأوان. ويدعو الحكومات حول العالم إلى التنسيق في ما بينها من أجل صياغة برنامج تحفيز اقتصادي ضخم لمواجهة تداعيات الأزمة الماليّة، يأخذ يعين الاعتبار موجبات التنمية المستدامة.
ويقترح المحلّلون في المنظّمة الأمميّة اعتماد تقنين أكبر للأسواق الماليّة والمؤسّسات الماليّة، وفرض معايير حازمة في شأن التحوّط في السيولة حول العالم، إضافة إلى إنشاء مظلّة دوليّة تحمي وتطوّر نظام الاحتياطات الدولي، وحوكمة اقتصاديّة كونيّة تأخذ بعين الاعتبار مسألة الدمج للحيلولة دون تكرار الأزمة في المستقبل.
وبالنسبة إلى البلدان الصناعيّة التي توقّعت منظّمة التعاون والتنمية الاقتصاديّة أن تشهد تقلّصاً في ناتجها الإجمالي في العام المقبل، فإنّ اقتصاداتها ستتقلّص بنسب يبلغ معدّلها 0.5 في المئة، مقارنة مع نسبة نموّ تبلغ 5.3 في المئة في البلدان التي تشهد تحوّلات اقتصاديّة ـــ اجتماعيّة، و4.6 في المئة في البلدان النامية. أمّا أكبر اقتصاد في العالم، الاقتصاد الأميركي، فسيتراجع نموّه بنسبة 1 في المئة، فيما سيكون التراجع 0.7 في المئة في منطقة اليور و0.3 في المئة في اليابان.
وحثّ التقرير على برامج تحفيز عالمية منسّقة للحدّ من تأثير التباطؤ في اقتصادات الغرب على الدول الفقيرة. وقال إنّ «معظم الاقتصادات المتقدمة دخلت في ركود خلال النصف الثاني من 2008 وانتقل التباطؤ الاقتصادي إلى دول نامية واقتصادات في طور التحوّل». مشيراً إلى أنّ «من شأن تنسيق تحفيز مالي واسع النطاق بين الاقتصادات الرئيسية أن يدرأ أسوأ ما في الأزمة، لكنه لن يحول دون تباطؤ كبير للاقتصاد العالمي في 2009».
ولكن بلدان العالم أطلقت بالفعل خطط إنقاذ مالي واقتصادي. فالولايات المتّحدة تبنّت خطّة ماليّة تبلغ قيمتها 700 مليار دولار، فيما الصين، التي تتمتّع برابع أكبر اقتصاد في العالم، أقرّت خطّة تحفيز اقتصادي هي الأولى من نوعها وتبلغ قيمتها 590 مليار دولار.
وبحسب التقرير، فإنّ خطوات ضخ الأموال في الأجهزة المصرفيّة، إضافة إلى خفض أسعار الفوائد، فشلت في إعادة الثقة، فهناك «مساحة محدودة للتحفيز المالي، وخيارات السياسات الماليّة هي ضروريّة لإعادة إنعاش الاقتصاد الكوني». وبالنسبة إلى الولايات المتّحدة، فإنّ الأكلاف التي تكبّدتها الحكومة الأميركيّة لمواجهة الأزمة الماليّة وصلت إلى 7 تريليونات دولار، وقد يكون هذا الرقم بحدود الـ11 تريليون دولار على الصعيد العالمي.
وفي هذا الصدد، تنقل وكالة «فرانس برس» عن رئيس دائرة السياسات التنمويّة والتحليلات في الأمم المتّحدة، روب فوس، قوله إنّ رزمة محفّزات ماليّة «بالزخم نفسه» كتلك المذكورة، قد تكون ضروريّة لكي يتجنّب الاقتصاد العالمي التقلّص في العام المقبل. إلّا أنّ الأرقام قد تكون أقلّ من 11 تريليون دولار، لأنّ هذه الأموال تعبّر عن تعهّدات أكثر منها مبالغ مخصّصة للإنفاق.
ويوضح فوس أنّ رزمة تحفيز اقتصادي تعادل 2 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي الكوني، قد تكون كافية لتجنّب النموّ السلبي. ولكن على الرغم من ذلك، فإنّ الانتعاش لن يأتي سوى في عام 2010، إلّا إذا تراجعت الأسواق أكثر إلى حينها. ويقول بحسب الوكالة نفسها، إنّ رزمة كهذه ستكون لها تأثيرات مضاعفة من خلال إعادة الثقة إلى الأسواق وإلى القطاع الخاص عموماً.
وكانت معدلات النمو العالمي في حدود 3.5 في المئة و4 في المئة في الفترة بين عامي 2004 و2007، ويقول التقرير إن المناخ الاقتصادي للدول النامية تدهور تدهوراً حاداً. وبحسب التقرير، فإنّ النموّ في البلدان النامية عموماً سيهبط إلى 2.7 في المئة، «وهو مستوى منخفض بدرجة مخيفة مقارنة مع قدرتها على الاستمرار بجهود خفض مستويات الفقر، إضافة إلى إحلال الاستقرار الاقتصادي الاجتماعي».
وتجدر الإشارة إلى أنّ إطلاق التقرير يتزامن مع اجتماع الدوحة للتنمية الذي تنظّمه الأمم المتّحدة أيضاً، والذي يهدف إلى تعزيز أهداف المنظّمة الأمميّة في شأن الحدّ من الفقر المدقع، ولكن تداعيات الأزمة الماليّة تخيّم عليه، إضافة إلى المواجهة بين الدول الغنية والنامية بشأن إصلاح النظام المالي الحالي. وبدلاً من إحراز تقدم في المحادثات عقب اجتماع سابق في مونتيري في المكسيك عام 2002 ينصبّ الاهتمام على حماية المكاسب المحققة.
(الأخبار)


رساميل سياديّة

لا يزال تدفّق الرساميل من الاقتصادات الصاعدة إلى المتقدمة أضخم منه في الاتجاه المعاكس وصناديق الثروة السيادية التابعة للأسواق الصاعدة نمت إلى حوالى 4 تريليونات دولار بنهاية عام 2008، حسبما يوضح التقرير. وبالنسبة إلى الصين، البلد الأبرز في المجموعة النامية، فإنّ أسواق الأسهم تراجعت، فيما أصبحت أسواق العملات والسلع الأولية شديدة التقلب، في ظلّ تباطؤ نموّ الصادرات. وكلّ ذلك سينعكس تباطؤاً في النموّ في الاقتصاد الذي شهد نسب نموّ تزيد على 10 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية.