صور ـ آمال خليللا يبرح حسين المصري محل الأحذية الذي يديره في مخيم البص ليشارك في التجمع الرمزي لمناهضة العدوان على غزة، الذي نظّمته حركة حماس، أمس، في قاعة «المركز الإسلامي الخيري» المجاورة لمحله.
تجمّع تخلّله مجلس «تبريك وتهانٍ» شاركت فيه مختلف الفصائل والأحزاب اللبنانية والفلسطينية تكريماً لأرواح الشهداء الذين أغرقهم بحر الدم الذي تسبح فيه غزة على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي والأنظمة العربية الحاكمة التي لا تحرّك ساكناً.
ولا يمثّل جمود الرجل الستيني تخاذلاً أمام قضية بذل الكثير من سنوات عمره لنصرتها، حيث إنه كان قد انخرط خلال سنوات شبابه في الحركة النضالية بعد انضمامه إلى صفوف المقاومة الفلسطينية منذ لجوئه فتى إلى لبنان عام 1948.
لكنه أصبح مقتنعاً، بعدما فقد الأمل، بأن مشاركته أو عدمها «لم تعد المقياس الوحيد لدرء العدوان اليومي على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ومخيمات الشتات» كما يقول.
فهذا الفلسطيني الذي شاهد عشرات المجازر الصهيونية ضد شعبه في فلسطين ولبنان بات يخجل من الاعتصام والاحتجاج ضد الصهاينة بعد طول يأس، إذ أصبح يرى أن لا طائل له.
إضافةً إلى هذا اليأس، يتملّك المصري غضب من ردود أفعال فلسطينيي المخيمات وفلسطينيي الداخل والضفة. «بعض الفلسطينيين في القدس أو الضفة الغربية يدينون العدوان على غزة كما لو كانوا مواطنين من نيوزيلندا»، بينما «يتعامل بعض فلسطينيي الشتات في المخيمات ممن يخاصمون حماس في سياستها، مع ما يجري كأنه عدوان على كوكب آخر».
ليس المصري الوحيد الذي يعتقد ذلك، إذ يوافقه هذا الرأي ثلة من الرجال المتحلّقين حوله من خلال صمتهم الكئيب، بينما يشي جو مخيمات صور الثلاثة بصحتّه. جو سيطر عليه الهدوء.
هدوء لم تخرقه صباحاً سوى بعض الاعتصامات الرمزية في مخيمات البرج الشمالي والرشيدية والبص قبل أن يستأنف سكانها أعمالهم وحياتهم اليومية والتمتع بعطلتهم الأسبوعية.
فالغضب في مخيمات صور لم يكن ساطعاً يوم أمس. والتجمعات التي اقتصر تنظيمها على حماس وعلى من لفّ لفها لم تكن بحجم المجزرة الدائرة بحق فلسطينيي غزة المتروكين لمصيرهم.
مشهد الحياة الروتيني الذي سيطر على المخيمات كان هو نفسه الذي طغى على مدينة صور الغارقة في شمسها وبحرها وأعيادها.
لكن اللافتات السوداء والشعارات التي ملأت الجدران تمنح بعض الأمل في تحرك وشيك، لما توحي إليه من أن جماعة ما تحضر لتحرك ضخم مناهض للعدوان. في انتظار حصول ذلك، بدا ظهر أمس هادئاً كأن الجميع أدى قسطه لفلسطين، باستثناء بعض الشبان الذين تحضروا للنزول إلى بيروت للمشاركة في الاعتصام أمام السفارة المصرية «الذي هو أجدى من أي تحرك آخر» بحسب وليد عبد الرازق.
تبرر الحاجة نهدية (76 عاماً) المشهد العام فيما تتابع بطريقة متقطّعة أخبار غزّة عبر القنوات التلفزيونية: «الفلسطينيّون قد تعوّدوا القتل والمجازر ولم يعد يرعبهم ما يحصل. أنا مثلاً شهدت صبرا وشاتيلا ونجوت منها»، لكن «الحل لمأساتنا هي باتحادنا في مقاومة مسلحة ضد إسرائيل لهزمها، كما فعلت المقاومة في لبنان».
أما قاسم، بملامح وجهه المكفهرّ، فهو يعلن حداده على حلم بتر قبل تحقّقه بأسبوع. أسبوع واحد فقط كان يفصل هذا الشاب عن لقاء حبيبته المحاصرة، بعد أن يركب سفينة التضامن التي كان من المزمع انطلاقها نحو غزة في الثالث من كانون الثاني.


هتافات البداوي

طرابلس ـ عبد الكافي الصمد
انطلقت يوم أمس في مخيم البداوي مسيرة شاركت فيها جميع الفصائل الفلسطينية، كما انضم إليها اللاجئون الفلسطينيون من مناطق القبة والمنكوبين في طرابلس المجاورتين، إضافةً إلى بعض المواطنين اللبنانيين.
وبينما قطعت مداخل المخيم بالإطارات المشتعلة، جال المتظاهرون حاملين أكفاناً بيضاء وشعارات مثل «أفيقوا يا زعماء، غزة تغرق بالدماء»، تندّد بالأنظمة العربية وبحكامها، وعلى رأسهم الرئيس المصري حسني مبارك، الذي نال القسط الأكبر من هتافات التنديد، ومنها: «يا الله ويا جبار شيل مبارك وحط حمار»، في مقابل هتافات التأييد التي أطلقها المتظاهرون للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، مثل: «يا نصر يا حبيب، اضرب دمّر تل أبيب»، و«حزب الله يا عيوني، اضرب كريات شمونة».