بغداد ــ زيد الزبيديلم تشغل العراقيّين معاناتهم اليومية عن متابعة مذبحة غزّة، وخصوصاً أنّهم اعتادوا اعتبار القضية الفلسطينية القضية المركزية للأمة العربية، وأنّ ما يصيب شعبها يصيبهم أيضاً، «لأنّ العدو واحد، وإن اختلفت ملابسه»، كما يتردّد في شوارع بغداد.
معظم العراقيين يدركون أنّ غزو بلادهم كان لمصلحة «العدو الصهيوني»، وأنّ الاحتلال الأميركي لبلاد الرافدين كان مدعوماً من الحركة الصهيونية بكل قواها. وقد تابع العراقيون في اليومين الماضيين مذبحة الشعب العربي في غزة بتعاطف كبير ودموع أكثر. لم ينسوا مأساتهم اليومية، بل زاوجوها مع المجزرة الإسرائيلية. جميعهم لم يفارقوا قنوات البث الفضائي، وبعضهم نزل إلى الشوارع.
وبحسب المحلل السياسي إبراهيم الدولعي، فإن «العدوان الصهيوني على غزة يعيد إلى ذاكرة العراقيين شراسة عدواني 1991 و2003، ما يؤكد أن العدو واحد، وأن أساليبه الإرهابية واحدة».
ويشعر العراقيون بأنّ تضامنهم الإنساني والقومي والسياسي مع الشارع الغزاوي يحمل من ضمن ما يحمله شيئاً من ردّ الجميل لشعب لطالما عُرف بدعمه لقضية العراق ومقاومته للغزو والاحتلال.
ويشير الضابط المتقاعد شاكر الجبوري إلى أن «العراق كان السبّاق دائماً في الوقوف إلى جانب فلسطين، وقدّم الكثير من التضحيات لنصرتها وقضيتها العادلة. ولكن ما الذي نستطيع تقديمه الآن غير أن نرسل قلوبنا إليهم؟».
وفي أحد التحركات «الرمزية» المتضامنة مع غزة، فجّر انتحاري نفسه وسط تظاهرة نظمها الحزب الإسلامي في الموصل، ضمّت نحو 1500 شخص. وقد أدى التفجير إلى وقوع قتيلين وعدد من الجرحى.
وشهدت بعض أحياء بغداد ومدن عراقية أخرى تظاهرات عفوية تندد بالعدوان على غزة. إلا أن عدداً كبيراً من الأحزاب السياسية اكتفى بإصدار بيانات إنشائية لا أكثر. وبحسب الصحافي محمد صادق الأوسي، فإن أجهزة الإعلام العراقية لم تولِ الحدث ما يستحقه من اهتمام، خوفاً من «زعل» المموّلين من «جماعة الاحتلال».
حتى إنّ القنوات الفضائية، وخاصة الرسمية وشبه الرسمية منها، اكتفت ببث مقاطع خبرية «محايدة»... إلا أن هذا الموقف تغيّر جزئياً بعد صدور بيانات من حكومة بغداد وبعض الجهات الدينية، في مقدّمها المرجع علي السيستاني.
وعن ضآلة عدد التظاهرات التي شهدها الشارع العراقي، يقول أحد الناشطين في حي اليرموك طالب القزويني «بالأمس القريب كنا نتنادى عبر وسائل الإعلام وعبر أجهزة الهاتف لتنظيم التظاهرات والمسيرات الفورية. أما اليوم، فليس بمقدورنا استخدام هواتفنا المعطّلة، التي يسهل التشويش عليها. لذا جاءت تظاهراتنا داخل مناطقنا، لصعوبة الاتصال والتلاقي مع المناطق الأخرى».
في المقابل، تكشف المتظاهرة سهير عبد المجيد عن أن اثنين من أشقائها «استشهدا في صفوف المقاومة الفلسطينية»، التي يصفها البعض الآن بـ«الإرهاب، كما هو الحال مع المقاومة العراقية». وتنهي سهير كلامها بالتشديد على أنه «لو كانت ظروفنا اليوم مختلفة، لكان شبابنا في طليعة الذين يهبّون لنصرة إخوتهم الشجعان في غزة».