كعادتها في الحروب السابقة، تجنّدت وسائل الإعلام الإسرائيلية، باستثناء عدد قليل جداً من الكتّاب، إلى جانب آلة القتل، محرّضة على مزيد من المجازر بحق الفلسطينيين
مهدي السيد
كتب كبير المعلّقين في «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنيع، أن الهجوم على غزة كان يجب أن ينفّذ «لا بسبب الوضع الذي لا يطاق في غلاف القطاع فقط، بل وبالأساس بسبب الضرر المستمر بقوة ردع إسرائيل. فالدولة التي تخاف معالجة أمر حماس لن تستطيع ردع إيران أو الحفاظ على مصالحها إزاء سوريا ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية».
وتطرّق برنيع إلى العدوان على غزة فقال «لست أعلم كيف وإلى أين ستتطور هذه العملية، ولست على ثقة بأن قادتها يعلمون. فالأمر لا يتعلق هنا بلعبة شطرنج محكمة واستراتيجية، بل بطاولة زهر».
ورأى المعلّق العسكري في الصحيفة نفسها اليكس فيشمان أن «أكثر ما سيؤثر على حجم العملية ونجاحها هو طول النفَس لدى الجبهة الداخلية، لا القدرات العملانية للجيش ولا الضغط الدولي أو الأخطاء التي ستحصل خلال العملية». وأضاف أن عملية «الرصاص المصهور» هي «امتحان للقدرة على القيادة وللقدرة على تلقّي الضربات وامتصاصها وقدرة المجتمع الإسرائيلي وقيادته على المثابرة».
من جهته، كتب عوفر شيلح في «معاريف» أنه «من حيث الحجم وقوته الكاسحة، يلتقي الهجوم على القطاع مع رد الفعل في لبنان على الهجوم خلال صيف عام 2006». ورأى أن «عقيدة الدفاع الجديدة لإسرائيل أمام أعداء يتبعون استراتيجية استنزاف وإطلاق نار عن بعد، تتلخص في أن تبدو إسرائيل كدولة مجنونة ترد بعملية عسكرية كبيرة ووحشية، غير تناسبية من حيث عدد المصابين في صفوفها. هذا حق كان محصوراً في الماضي في الدول العظمى، لكن في عالم تدعم فيه القوة الأعظم كل خطوة إسرائيلية (على الأقل ما دامت الإدارة لم تتبدل)، فيما سائر الدول العظمى لم تبلور موقفاً لها، فإن العمليات الإسرائيلية تسير بلا تشويش. لكن هذا لا يعني أن هذه القوة ستكون من مصلحتنا دائماً وفي أي وقت».
وتطرق بن كسبيت في «معاريف» أيضاً إلى العملية فقال «أنت تعلم كيف تدخل أحداثاً كهذه لكنك لا تعلم متى وكيف تخرج منها. يمكن أن يأتي التدهور من كل اتجاه ممكن، من حماس أو حزب الله أو عرب إسرائيل أو عمليات من المناطق أو غير ذلك».
وكتب يوسي فرتر في «هآرتس» أن «بداية العملية تحمل بصمات (وزير الدفاع إيهود) باراك المتحايلة والمضللة، هذا الرجل الأكثر تقلّداً للأوسمة العسكرية. هذا لا يعني أنه الأنسب ليكون رئيس الحكومة، لكن من شأنها (العملية) أن تنقذه وتنقذ حزبه من التحطم المهين الذي تتوقعه استطلاعات الرأي».
ووجهت «هآرتس»، في افتتاحيتها، مجموعة أسئلة عن أهداف العملية. وقالت «هل تريد إسرائيل فقط أن تنقل إلى حماس رسالة عنيفة ومخيفة؟ هل القصد تدمير البنية العسكرية والمدنية للحركة؟ أو ربما يكون الطموح أبعد مدى إلى حد إبعاد حماس عن جميع مراكز السيطرة في غزة ونقل السلطة إلى السلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس؟ كيف تنوي إسرائيل إحراز هذه الأهداف؟ الهجوم الجوي وحده، كما يمكن أن نتذكر من حرب لبنان، لا يمكن أن يكون كافياً».
بدوره، قال المحلل العسكري في «هآرتس» عاموس هرئيل إن «حرب غزة الأولى تدور تحت ظل حرب لبنان الثانية الثقيل. وإن كانت الأيام الأولى في المرة السابقة قد تميّزت بتصريحات متغطرسة وتفعيل قوة قليلة نسبياً، فإن إسرائيل تحاول هذه المرة إجراءً مغايراً: حيث إن الأهداف التي حدّدت للعملية، في هذه المرحلة، متواضعة جداً».
وبحسب هرئيل فإن «المجهول الأعظم يتعلق بالانعكاسات الكبيرة للمواجهة. إذا استطاعت حماس أن تجر حزب الله إلى المواجهة، وأن تخرج العرب في إسرائيل إلى تظاهرات عنيفة، أو أن تبادر إلى عمليات انتحارية في القدس، فإن معادلات القوى ستتغير». ولفت إلى أن الأفضلية الإسرائيلية «هائلة»، لكن من الصعوبة بمكان «التنبّؤ كيف ستنتهي المواجهة مع احتفالات النصر. يجدر الانتظار في جميع الأحوال».
ودعا أوري هايتنر في «إسرائيل اليوم» إلى استخلاص العبرة من حرب لبنان، فسأل «ما هو الهدف الذي يجري من خلاله استخدام الجيش الإسرائيلي في هذه المرحلة؟». وحذر من أن يكون الهدف تنصيب أبو مازن مكان «حماس»، مشيراً إلى أنه «في حرب لبنان الأولى، جرّبنا التدخل بالقوة في سياسة جيراننا الداخلية، فاحترقنا. هذا الحلم الخيالي ورّطنا في لبنان. يتبيّن أن هناك من لم يتعلموا هذا الدرس ويحاولون اليوم أيضاً إقامة نظم جديدة في الشرق الأوسط، بدم جنود الجيش الإسرائيلي».
ورأى هايتنر أن الهدف يجب أن يكون تحقيق الانتصار. وقال إنه «خلافاً لحرب لبنان الثانية، يحظر الاكتفاء بالانتصار بالنقاط. يجب استخدام كل القوة لمنع إمكان استمرار إطلاق الصواريخ ـــــ فقط من خلال الهجوم البري ـــــ، لا يجب التوقف قبل أن يخضع العدو ويتوسّل مطالباً بوقف إطلاق النار ويطلق سراح جلعاد شاليط».