هآرتس ــ نحميا شترسلرثمة نتيجة واحدة حتى الآن لحملة «الرصاص المصهور» على غزة. ففي استطلاع أجرته القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي، بعد يوم واحد على بدء الحملة، تبيّن أن حزب «العمل» سيحظى بـ 16 مقعداً في انتخابات شباط المقبل، في مقابل 11 مقعداً كان سيحصل عليها بحسب استطلاع أُجري قبل ثلاثة أيام. هذا يعني ارتفاعاً في قوة الحزب بنسبة 45 في المئة في غضون 72 ساعة فقط. كذلك أظهر الاستطلاع أن 81 في المئة من الإسرائيليين يؤيدون الحملة. إنها غالبية غير مسبوقة. صورة وزير الدفاع إيهود باراك تحسّنت أيضاً، وفجأة بدأ يحصل على ثناء الجمهور.
هل فكّر باراك ورجاله بالاعتبار الانتخابي عندما قرّروا شنّ الحرب؟ هذا اتهام خطير جداً. هذا تفكير ميكيافيلّي جداً. هذا غير ممكن. لكن من المناسب أن نتذكّر كيف وصلنا إلى الوضع الدموي الحالي. بدأ الأمر في الرابع من تشرين الثاني الماضي، عندما تغلغلت قوة من الجيش الإسرائيلي في القطاع، لتدمير نفق حُفر في منطقة القاطع الأوسط، بحسب أقوال الجيش. كان الأمر يتعلق بـ«قنبلة موقوتة»، أي بعملية لخطف جندي كانت ستنفذ في «الأيام القريبة المقبلة». وفي اليوم نفسه، عند الساعة التاسعة مساءً، حاصر جنود الجيش منزلاً فلسطينياً، «حُفر نفق إلى جانبه». فُجِّر المنزل، وأثناء تبادل إطلاق النار، قتل ناشط من «حماس» وجرح آخرون. كانت هذه المرة الأولى والوحيدة طوال فترة التهدئة، التي يدخل فيها الجيش إلى غزة، متحدياً سلطة «حماس».
ولم تكتفِ إسرائيل بتدمير النفق، مع تغطية إعلاميّة. ففي اليوم التالي، واصلت عملية التصفية، فشنّت غارة على سيارة كانت تقل خمسة من ناشطي «حماس». ويبدو أن كل مَن يُقتل في غزة، يُعَدّ ناشطاً في «حماس». حتى لو كان يمرّ صدفة في طريقه إلى محل البقالة. وأفضت العملية في عمق الأراضي الفلسطينية، إلى دوامة التصعيد؛ فقد ردّت «حماس» بإطلاق عشرات الصواريخ والقذائف، وأمر باراك بإغلاق المعابر، ووصلنا إلى حملة «الرصاص المصهور». وحتى ذلك اليوم من تشرين الثاني، كانت «حماس» قد التزمت وقف النار: لا صواريخ «قسام» ولا قذائف. حتى إنها عملت ضد رجال «الجهاد الإسلامي» الذين أطلقوا النار، أو خططوا لإطلاق الصواريخ على إسرائيل. ووصلت حملة الحركة ضدّ «الجهاد» إلى اعتقال عدد منهم.
مستوطنات الجنوب حظيت بأربعة أشهر ونصف من الهدوء النسبي. قالوا عندنا إنّ وقف النار جيد لـ«حماس». هذا صحيح، لكنه كان جيداً لنا أيضاً.
وقد أتاحت التهدئة أيضاً، تحسين العلاقات مع مصر، التي لم تفتح معبر رفح ولم تطلق سراح معتقلي «حماس» من سجونها. أتاحت التهدئة فرصة تقدّم مبادرة السلام العربية، وحسّنت علاقات إسرائيل بالملك الأردني عبد الله الثاني.
كل التقديرات قبل 4 تشرين الثاني، كانت تفيد بأن معظم قادة «حماس» معنيون بمواصلة وقف النار، حتى بعد انتهاء مدة الاتفاق في 19 كانون الأول. هذا يعني أن التهدئة كان يمكنها أن تتجدد وتستمر عاماً إضافياً، لولا العملية الاستعراضية التي قام بها جيشنا في 4 تشرين الثاني.
وتحظى حملة «الرصاص المصهور» اليوم، بالتصفيق من قبل 81 في المئة من سكان الدولة. جزء من زعمائنا الشجعان يتحدثون عن «تصفية حماس». آخرون يدعون إلى «احتلال غزة من جديد»، وثمة من يحلم بإسقاط حكم «حماس» ونقله إلى يد السلطة الفلسطينية، التي تحولت فجأة إلى شبه صهيونية.
لكننا لا نزال نذكر أنه في الأسبوع الأول من حرب لبنان الثانية، حظيت تلك الحرب أيضاً، بتصفيق غالبية الجمهور. وبالتالي ليس ثمة ما يدعو إلى الانفعال والتأثر بـ«إنجازات» جيشنا. هذه حرب جالوت ضد داوود. يتعلق الأمر بقوة جوية هائلة لا توجد في وجهها أية مقاومة.
في المقابل، لا ينبغي توقع «انتفاضة شعبية» على «حماس». صحيح أنّ عدد القتلى كبير، وصحيح أن السكان يُعانون الضربات ولا توجد كهرباء، والمعاناة شديدة... ولكن، في مثل هذا الوضح تحديداً، وعندما لا يكون هناك الكثير مما يمكن خسارته، عندما يُقتل أناس أبرياء ومن دون حول ولا قوة، يتكتّل الشعب حول السلطة.
لن يخضع أهل غزة، وسلطة «حماس» لن تنهار. ينبغي أن نتوقع تحديداً زيادة في عمليات إطلاق الصواريخ والقذائف بعد أن يصحوا من الصدمة، ولا يزال لديهم الكثير من الصواريخ. لذلك، من السابق لأوانه تحديد ما إذا كانت حملة ناجحة أو لا.
لكن، يمكن القول بالطبع، إن جدول الأعمال الانتخابي قد تغير كلياً. الموضوع الرئيسي عاد ليكون أمنياً، ومن يحصد الآن الثمار هو الرجل الأمني الأول: إيهود باراك.