يعاني قطاع صناعة السيّارات انخفاض المبيعات بحدة في العالم الصناعي بسبب أزمة الائتمان، ما يدفعه نحو إعادة هيكلة الأعمال في ظلّ بيئة تزداد صعوبة وتنافساً. ففي الولايات المتّحدة مثلاً انخفضت المبيعات بنسبة 40 في المئة خلال الشهر الماضي، وهو واقع معقّد، وخصوصاً إذا احتسبت معادلات الطاقة والمعايير البيئيّة

حسن شقراني
الأرقام التي تعكس موجة الركود التي تضرب الاقتصاد العالمي يمكن رصدها في قطاعات كثيرة. ولكن النتائج التي تظهر في قطاع صناعة السيّارات توضح الكثير، وخصوصاً أنّ هذا القطاع عانى كثيراً خلال الفترة الأخيرة بسبب وصول سعر برميل النفط إلى مستوى قارب 150 دولاراً، ما رفع الدعوات في شأن السيّارات المعتمدة على الطاقة البديلة، أو حتّى اعتماد معايير أكثر توفيراً للوقود في صناعتها، من أجل إنعاش المبيعات. وعلى سبيل المثال تدرس الولايات المتّحدة مشروعاً لخفض الحاجز المعياري للسيّارات المنتجة فيها ليصبح استهلاكها في الحدّ الأدنى 35 ميلاً للغالون (56 كيلومتراً لـ3.9 ليترات) إلى 35 ميلاً للغالون (40 كيلومتراً لـ3.9 ليترات). ولكن تراجع سعر برميل النفط بنحو 55 في المئة، واستقراره منذ نحو أسبوعين عند هامش يتراوح بين 60 دولاراً و70 دولاراً، خَفَضَ إلى حدّ ما الدعوات إلى «ابتكار البدائل» ودفع حتّى السياسيّين الأميركيّين إلى خفض تسليط الضوء على ضرورة استخراج النفط من جرفها القاريّ (عند الشواطئ). إلّا أنّ تراجع سعر النفط لم يدفع نحو انتعاش صناعة السيّارات. وعاش هذا القطاع خلال الشهر الماضي، مثلما فعلت البورصات في بلدان العالم كلّها، إحدى اسوأ فتراته.
ففي الولايات المتّحدة، انخفضت مبيعات الشركات الوطنيّة لصناعة السيّارات بنسبة 40 في المئة، مع تقلّص السوق الكليّ (الذي يتضمّن مبيعات الشركات الأجنبيّة أيضاً) إلى مستويات تُشهد منذ ثمانينيّات القرن الماضي، في خضمّ أزمة الادخارات والقروض. وحينها كان عدد الأميركيّين يقلّ بـ80 مليون نسمة عن عددهم الحالي.
فمنذ عام 1993، لم يهبط عدد السيّارات الأميركيّة المبيعة في السوق الداخليّة عن حاجز مليون سيّارة. وقد حدث هذا التطوّر خلال الشهر الماضي، حيث بلغ عدد تلك السيّارات 963 ألف سيّارة.
من جهة، أخرى، فإنّ الإجراءات التي تتخذها الشركات الكبرى من أجل احتواء التدهور في مبيعاتها، تواجه مطبّات أكثر تعقيداً. فالبيت الأبيض رفض الأسبوع الماضي، مدّ صانع السيّارات العملاق، «GENERAL MOTORS»، بـ10 مليارات دولار من أجل الاستحواذ على شركة «CHRYSLER» المتعثّرة (تنوي طرد 5 آلاف عامل). وعوضاً عن ذلك، تريد إدارة الرئيس جورج بوش «مساعدة» شركات صناعة السيّارات فقط عبر برنامج القروض من أجل «فعاليّة حرق الوقود»، الذي تبلغ قيمته 25 مليار دولار.
وإلى جانب الولايات المتّحدة تواجه صناعة السيّارات في العالم تحدّيات تقليص الأكلاف، وبالتالي تسرّح الموظّفين. فشركة «NISSAN» (التابعة لمجموعة «RENAULT» وهي ثالث أكبر مصنّع سيّارات ياباني) ستطرد 3500 موظّف حول العالم للتأقلم مع «الواقع الجديد». وهو واقع تقول إحصاءات منظّمة العمل الدوليّة إنّه سيؤدّي إلى ارتفاع عدد العاطلين من العمل في العالم إلى 210 ملايين نسمة.
وهذه الأوضاع هي نفسها التي تعانيها الشركات الأخرى، وهو ما يظهر في أرقام المبيعات المسجّلة في جميع البلدان تقريباً. ففي إسبانيا، أوضحت أرقام جمعيّة صانعي السيّارات أمس، أنّ مبيعات السيّارات الجديدة انخفضت بنسبة 40 في المئة خلال الشهر الماضي، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2007.
وأوضحت الأرقام كذلك في فرنسا أنّ مبيعات السيّارات انخفضت بنسبة 7.3 في المئة خلال الشهر الماضي. واللافت هو أنّ قطاع صناعة السيّارات هناك يوظّف حوالى 10 في المئة من الأيدي العاملة، إذاً فالأرقام الأخيرة قد تكون آثارها كبيرة على معدّلات البطالة.
والمرحلة المقبلة تبدو سوداويّة أيضاً، فبحسب تقرير المفوضيّة الأوروبيّة الذي نشر أمس، ستشهد أوروبا انكماشاً تقنياً خلال العام الجاري. وهو واقع يتماهى مع التطوّرات في الولايات المتّحدة. فالاقتصاد هناك «دخل بالتأكيد في حالة ركود» حسبما حذّر رئيس المصرف الاحتياطي الفدرالي في مدينة ريتشموند، جيفري لاكر.
وهذه الحال لا يمكن إلّا أن تكون سيّئة على صناعة السيّارات التي اعتمدت خلال الآونة الأخيرة على أسواق البلدان النامية. ولكن هذه البلدان (وتحديداً الصين) تتراجع نسب النموّ فيها. فبحسب رئيس صندوق النقد الدولي، دومينيك شتراوس ـــ كان، هي ستكون «الضحيّة التالية لأزمة الائتمان».
وهكذا لا يمكن حالياً رصد نموّ في مبيعات السيّارات إلا في بلدان الاقتصادات الريعيّة، حيث الطفرة النفطيّة مثلاً، أو في بلدان تعيش بعكس تيّار التطوّرات الدوليّة، مثل لبنان حيث ارتفعت مبيعات السيّارات بنسبة 97 في المئة على أساس سنوي (الرقم المسجّل في تمّوز الماضي) وهو أعلى مستوى تسجّله منذ 15عاماً!


انعكاس المتغيّرات

يتوقّع الموقع الإلكتروني المتخصّص بعالم تجارة السيّارات «EDMUNDS.COM» أن تنخفض المبيعات السنويّة لـ«GENERAL MOTORS» بنسبة 40.7 في المئة، ولـ«CHRYSLER» بنسبة 38.1 في المئة ولـ«NISSAN» 17.2 في المئة، ولـ«TOYOTA» 15.5 في المئة. وفي هذا السياق تنقل وكالة «رويترز» عن المدير التنفيذي للموقع، جيسي توبراك، قوله إنّ الشهر المقبل «معروف بأنّه الأسوأ على القطاع» وإذا لم يكن للانتخابات الرئاسيّة ومتغيّرات أخرى (سعر النفط مثلاً) انعكاسات مباشرة على القطاع، فإنّ المبيعات ستتراجع.