مثّلت المرحلة الأخيرة التي طبعتها الانهيارات في البورصات فرصة جيّدة للعديد من الشركات في البلدان الغنيّة بالعملات الأجنبيّة، أو التي لم تؤثّر الأزمة تأثيراً كبيراً في سيولتها، للاستحواذ على مصارف ومؤسّسات ماليّة وحتّى شركات متعثّرة. وفي قمّة «رويترز» للاستثمار أمس، بدا أنّ للشركات الخليجيّة آفاقاً واسعة في هذا الإطار، ولكن حذارِ تكرار الأخطاء
حسن شقراني
بلغ حجم صفقات الاندماج والاستحواذ خلال الشهر الماضي مستوى قياسياً، ما يعكس ربّما البيئة الملائمة التي ولّدتها الأزمة الماليّة، حيث ظهر أنّ العديد من الشركات المتعثّرة تسعى إلى شار أو مساعد في لحظات فقدان السيولة، أو عدم التمكّن من تسديد الالتزامات. ووصلت قيمة تلك الصفقات إلى 451.5 مليار دولار، مرتفعة بنسبة 30 في المئة مقارنةً بالشهر السابق، حسبما توضح المؤسّسة المختصّة في مراقبة تطوّر الصفقات حول العالم، «DEALOGIC» في تقريرها الأخير الذي نشر خلال الأسبوع الجاري. ومثّلت عمليّات الاندماج والاستحواذ التي جرت في أميركا 76 في المئة من مجمل الصفقات التي عُقدت خلال الشهر، وبلغت قيمتها 236.9 مليار دولار، وهو رقم قياسي أدّى إلى تحقيقه التدخّل القويّ الذي قامت به وزارة الخزانة لمساعدة المصارف والمؤسّسات الماليّة التي مسّتها أزمة الائتمان.
ولكن في منطقة أخرى من العالم هناك شركات ضخمة تنمو بمعدّلات كبيرة، وتستعدّ لإتمام صفقات استحواذ من النوع الثقيل، بسبب العائدات الكبيرة التي تحقّقها في اقتصادات تنمو نموّاً صارخاً بسبب ضخامة العائدات النفطيّة: منطقة الخليج العربي. ففي القمّة التي نظّمتها «رويترز» بشأن الاستثمار في الشرق الأوسط، أعرب العديد من الشركات عن رغبتها في توسيع نشاطاتها في الخارج من خلال عمليّات استحواذ أو اندماج مع شركات رديفة، قد تكون الأزمة الأخيرة أدّت إلى تعثّرها.
ومن بين تلك الشركات الطامحة، «شركة أبو ظبي الوطنيّة للطاقة»، المسمّاة «طاقة». فالأخيرة أعربت عن رغبتها في الاستحواذ على شركات طاقة تعاني لمواجهة انعكاسات الأزمة الماليّة العالميّة عليها. وبحسب رئيسها، بيتر باركر ــ هوميك، «المال ليس مشكلة لنا في هذه المرحلة. ومعظم عمليّات الاستحواذ التي نسعى إلى تحقيقها تتعلّق بشركات تعاني إمّا انخفاض أسعار أسهمها، أو فقدان خطوط الائتمان». وبالفعل، فالشركات في منطقة الخليج العربي لم تعانِ مشكلة في السيولة مثلما هي الحال مع شركات كثيرة حول العالم، في خضمّ أزمة الائتمان. وبالنسبة إلى «طاقة»، فإنّ ارتفاع أسعار النفط أمّن لها ارتفاع أرباحها بخمسة أضعاف خلال الربع الثالث من العام الجاري، بلغت 196.8 مليون دولار.
ومن جهته، أعلن «بنك الإمارات دبي الوطني» (NBD)، الذي يعدّ الأكبر في منطقة الخليج العربي من ناحية الأصول، استعداده للاستحواذ على «أي منافسين متعثرين»، وأنّه يسعى للتوسّع في السعودية ودخول الأسواق من الهند إلى الصين وغيرهما. وحسبما نقلت «رويترز» عن رئيسه، سانجاي أوبال، الذي تحدث على هامش القمّة، فإنّ موضوع الاستحوذا هو «دور، نحن على استعداد لتوليه».
وفيما بلدان الخليج، وتحديداً الإمارات العربيّة المتّحدة، تعيش نموّاً خارقاً في قطاع العقارات مع توسّع الشركات العقاريّة وتولّيها مشاريع ضخمة بل وحتى خياليّة، يوضح الرئيس التنفيذي لشركة «ديار» للتنمية العقاريّة، ماركوس جيبل، أنّ شركته تخطّط للاستيلاء على شركات نظيرة لها متعثّرة في المنطقة.
ومن هذا المنطلق تتّضح مخطّطات الشركات الخليجّية خلال العام المقبل. ولكن العديد من المؤشّرات تشير إلى أنّه قد يكون صعباً. فإذا استمرّ انخفاض سعر النفط سيتراجع مردود الشركات الخليجيّة تراجعاً كبيراً كما ستفتقد شركات عديدة بينها التمويل اللازم، بسبب قلّة البترودولارات.
وبحسب وزير الاقتصاد الإماراتي، سلطان بن سعيد المنصوري، فإنّ العام المقبل سيكون «عام اختبار» لبلاده وللاقتصاد العالمي. وبالفعل فإذا استمرّت ضغوط الركود في بعض المناطق والانكماش في مناطق أخرى، فإنّ عجلة الاقتصاد العالمي ستستمرّ في التراجع.
ولكن حتّى الآن فإضافةً إلى الشركات السابقة التي أعلنت رغبتها في إتمام صفقات اندماج واستحواذ، هناك شركة «نور» الكويتيّة للاستثمار المالي، التي تتطلّع لشراء حصص بشركات في آسيا والشرق الأوسط للاستفادة من انخفاض أسعار الأصول. كما هناك شركة «أعيان كابيتال» الإسلاميّة الكويتيّة.
وهذا النمط من التوسّع الذي تسعى إليه الشركات المغرقة بالعائدات الضخمة، قد يكون صحيّاً إذا دُرس بدقّة، إلّا أنّه قد يولّد مشاكل مثلما حدث مع الاستثمارات الخليجيّة في مصرفي «MERRILL LYNCH» و«CITIGROUP» وحتّى مع «LEHMAN BROTHERS». وبحسب المدير المالي لشركة «المركز المالي» الكويتية فإنّ شركته تعتزم إنشاء صندوق بقيمة تصل إلى 100 مليون دولار للاستثمار في الديون المتعثرة في صناعة الرهن العقاري بالولايات المتحدة... هل يتكرّر الخطأ من جديد؟


صوت أكبر

يمكن دول الخليج أن تقوم بدور رئيسي في الأزمة الماليّة العالميّة إلّا أنّ صوتها يجب أن يكون أكبر في النظام المالي العالمي، هذا ما شدّد عليه كبير الاقتصاديّين في مركز دبي المالي العالمي، ناصر السعيدي، الذي قال في قمّة «رويترز» للاستثمار في الشرق الأوسط، مخاطباً الدول الصناعيّة الكبرى، «إذا أردتم حل الاختلالات العالمية فإنكم تحتاجون إلى إحضار دول مجلس التعاون الخليجي إلى المائدة». وأضاف: «هذا لا يعني مطالبتها بمساهمات أكبر في صندوق النقد الدولي. بل يعني إعطاءها صوتاً أكبر».