لم يكن قرار القاهرة، أول من أمس، بتأجيل الحوار الفلسطيني مفاجئاً. فمتابعة سياق التطورات والتصريحات في الأيام السابقة ما كانت لتنبئ بمصالحة في طريقها إلى المشهد الفلسطيني، بل على العكس تماماً، كان واضحاً أنّ الهوّة تزداد باطراد، وخصوصاً مع حملة الاعتقالات التي شنّتها الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية.والسؤال المطروح اليوم يتمحوّر حول سيناريو اليوم التالي لتأجيل الحوار، وما إذا كان التأجيل عبارة عن إلغاء للفكرة الحوارية من أساسها، أو على الأقل تأجيل طويل الأمد، بانتظار جلاء صورة الأوضاع الإقليميّة والدوليّة، ولا سيما مع تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب، باراك أوباما، لمقاليد السلطة.
المشهد الأوّلي لتداعيات التأجيل لا يزال غير واضح، وإن اعتمدت القاهرة لهجة «هادئة» في تعاطيها مع قرار المقاطعة الذي صدر عن «حماس» و«الجهاد الإسلامي» و«الجبهة الشعبية ـــــ القيادة العامة» و«الصاعقة»، والذي كان السبب الأساس في إعلان تأجيل الاجتماع.
التعليق الرسمي من القاهرة جاء عن طريق مصدر مسؤول نقلت عنه وكالة الشرق الأوسط الرسمية قوله إن مصر «لن تقطع الاتصال بأي فصيل فلسطيني بعد هذه الأزمة العابرة». وشدد على أن مصر ستواصل اتصالاتها وتحركاتها في الملف الفلسطيني «بأسلوب هادئ بعيداً عن الانفعالات والتشنجات».
غير أن الواقع على الأرض كان مختلفاً. فعلى عكس الإعلان، الذي تلى قرار التأجيل، عن فتح معبر رفح لعودة الوفود التي كانت قد وصلت إلى القاهرة للمشاركة في الحوار، فإن المعبر بقي مغلقاً. وتؤكّد مصادر واسعة الاطلاع لـ«الأخبار» أنّ اتصالات التنسيق لم تفلح في إقناع ممثّلي الاستخبارات المصريّة بفتح المعبر لإدخال حالات مرضية كانت قد وصلت إلى رفح بناءً على القرار المصري، فيما بقيت قيادات فصائليّة غزاوية عالقة في القاهرة بانتظار إعادة فتح المعبر. ولا تتوقّع المصادر إعادة فتح المعبر في وقت قريب، باعتبار أنه أولى خطوات العقاب، التي قد تلجأ إليها القاهرة في علاقتها مع «حماس» في المرحلة المقبلة.
ورغم الإشارة الفلسطينية والمصريّة إلى «موعد جديد قريب للحوار»، قد يكون خلال عشرة أيام أو أسبوعين، بحسب ممثّل «فتح» في الحوار، نبيل شعث، فإن المصادر الفلسطينية المطلعة توقّعت تأجيلاً طويل الأمد، قد يلامس الإلغاء، وخصوصاً إذا لم تتجاوب القيادة المصرية مع تحفظات الفصائل.
ويشار إلى أن الاعتقالات في الضفة الغربية، التي استخدمتها «حماس» والفصائل لإعلان مقاطعتها للحوار، ليست إلا سبباً هامشيّاً في ظل الاعتراض الحمساوي على كامل بنود الورقة المصريّة، وآلية الحوار الذي وضعته القاهرة، وتوزيع الأدوار خلال جلسة الافتتاح. ولا يبدو أن القاهرة في وارد التنازل عن ورقتها، ولا سيما بعد إعلان وزير الخارجية المصرية، أحمد أبو الغيط، أن «لا تخلّي عن الورقة المصريّة».
وبناءً عليه، لا يبدو أنّ «مناخاً ملائماً» لانعقاد الحوار قد يتوفّر خلال الفترة القريبة المقبلة، وقد يحتاج إلى جولة جديدة، قد تطول، من المشاورات.
(الأخبار)