الأموال الكثيرة التي تستثمرها بلدان الخليج العربي، في قطاعات متنوّعة ومثيرة، تعبّر عن حاجة لتنفيس فقاعة البترودولارات التي ولّدت تضخّماً قياسياً، وفي الوقت نفسه تشير إلى وعي لضرورة تنويع أسس اقتصادات مجلس التعاون الخليجي بعيداً من النفط: بعد صناعة السيّارات الطموحات تصل إلى هوليوود
حسن شقراني
في الأسبوع الماضي، تحدّثت شركة السيّارات الأميركيّة، «GENERAL MOTORS»، التي تنخفض مبيعاتها بحدّة بسبب ارتفاع أسعار النفط، عن رغبة لدى مستثمرين خليجيّين في الاستحواذ على فرعها «HUMMER» المتخصّص بإنتاج سيّارات الدفع الرباعي الشرهة للوقود. وتكتسب هذه الرغبة صداها المنطقي، من واقع أنّ هذه المرحلة من تطوّر الاقتصاد العالمي تشهد أكبر انتقال للثروة في التاريخ الحديث: حركة الدولارات النفطيّة.
فسعي البلدان النفطيّة، وفي هذه الحالة، دول مجلس التعاون الخليجي، إلى تنويع اقتصاداتها، يفترض انتشار الرساميل الضخمة في رحاب أوسع لتستحوذ وتتملّك وتشارك في قطاعات عديدة، في إطار نمط أعمال ربّما لم تكن محفّزاته واضحة كفاية في بداية القرن الحالي.
ولعلّ أبرز مثال يوضح المصلحة المشتركة بين الاقتصادات الصناعيّة والاقتصادات الريعيّة الخليجيّة، يظهر في عمليّة الإنقاذ، التي تمّ عبرها تجنيب العديد من المؤسّسات الماليّة الأميركيّة اضطرابات إضافيّة ناتجة من التدهور في سوق الائتمان الذي أطلقه انهيار سوق الرهون العقاريّة الأميركيّة: هبّت الرساميل الخليجيّة للنجدة وضخّ السيولة الحيويّة في المصارف الاستثماريّة. وإذا كان غزو رأس المال النفطي الخليجي لقطاعات عديدة في الاقتصادات الغربيّة، منحته التأشيرة حتّى الآن، البيئة الصعبة التي تسيطر على عمل الشركات، فإنّ أوجهاً أخرى من الاستثمارات الخليجيّة على وشك أن تتكشّف: هوليوود تفتح أبوابها... رغم كلّ الاعتبارات!
فقد أفادت صحيفتا «THE NATIONAL» الإماراتيّة، و«FINANCIAL TIMES» البريطانيّة، أمس، أنّ حكومة أبو ظبي ستستثمر مليار دولار في شركة إعلامية جديدة، تابعة لشركة «أبو ظبي للإعلام»، اسمها «IMMAGINATION» (مخيّلة)، ستنتج نحو 40 فيلماً روائياً طويلاً، خلال السنوات الخمس المقبلة، بالتعاون مع عاصمة صناعة السينما الأميركية، هوليوود، ونظيرتها الهنديّة، بوليوود، إضافة إلى منتجين محليين.
وسيستخدم المبلغ المطروح لإبرام عقود مع الشركات العلّامة في صناعة السينما الأميركيّة والعالمية، على أن تشمل النشاطات الأخرى للشركة، دعم منتجي وصانعي الأفلام السينمائية في الشرق الأوسط والعالم العربي، وستنتج عروضاً وأفلاماً قصيرة تعرض على شبكة الإنترنت.
صحيفة «NEW YORK TIMES»، نقلت عن مدير «أبو ظبي للإعلام»، إدوارد بورجردينغ، قوله: «نحن بالتأكيد نريد أن نشارك في هذا القطاع (الإنتاج السينمائي) والاستفادة من كيفيّة تطوّر الإعلام»، مشيراً إلى أنّ شركته ستكشف عن شركائها الأميركيّين خلال مهرجان الأفلام في تورونتو الكنديّة، «TORONTO FILM FESTIVAL»، في 13 أيلول الجاري.
وتأتي هذه الصفقة في زخم ولادة شراكات جديدة بين استديوهات هوليوود وشركات في دبي وأبو ظبي. ولكن معظم الصفقات الأخيرة تضمّنت إنشاء استديوهات ومتنزّهات ومجمّعات ترفيهيّة في الإمارات العربيّة المتّحدة، إضافة إلى دعم صانعي الأفلام العرب. لذا فهي تعتبر نوعيّة، واستكمالاً لنمط كانت «أبو ظبي للإعلام» قد أطلقته من خلال إبرام صفقة لصناعة الأفلام وألعاب الفيديو مع استديوهات «WARNER BROTHERS»، التي تملكها مجموعة «TIME WARNER»، في أيلول الماضي.
وعلى الرغم من أنّ المغامرة المشتركة لم تتمكّن من إنتاج سوى فيلم واحد، «SHORTS»، خلال عام واحد، تبدو الشركة الخليجيّة مصرّة على ولوج سوق السينما من خلال استثمار المزيد من الأموال. ويبدو هذا الإصرار واضحاً من حديث رئيس مجلس إدارة «أبو ظبي للإعلام»، محمّد خلف المزروي. فهو يشدّد على أنّ إمارته «ثبّتت نفسها كلاعب أساسي في الاقتصاد الدولي، ويظهر ذلك في النشاطات في قطاع الطاقة والعقارات والنقل. والإعلام (السينما الترفيهيّة ضمنه) لا يختلف، لذا فإنّ أبو ظبي للإعلام تحقّق طموحها لتصبح لاعباً أساسياً في صناعة» السينما العالميّة.
ولكن ما قد تصطدم به تلك الطموحات هي العوائق الثقافيّة والدينيّة. فالتمويل الآتي من الشرق الأوسط يثير في البلاد التي مسّت أكثر من غيرها بـ«الإرهاب الإسلامي»، حساسيّة معيّنة: لا يمكن المنتجين في عاصمة السينما في كاليفورنيا تقبّل بكلّ سهولة مستثمرين جمعوا رساميلهم من بلاد يسيطر حكّامها على الإعلام. وفي هذا السياق، تنقل «THE NATIONAL»، التي تتبع بالمناسبة لـ«أبو ظبي للإعلام»، عن بورجردينغ قوله: «هناك خطّ لن نقطعه... فنحن بالتأكيد لن نشارك في مشاريع تتضمّن إساءة للإسلام أو لحكّام (الإمارات) أو (الشرق الأوسط)، وجميع شركائنا واعون (لهذه المسألة)»... ولكن من يعرف ما تخبّئه هوليوود؟!


نحو الأوسكارات

تستعين شركة «IMMAGINATION ABU DHABI»، بخبرات الألماني، ستيفان برونر، الذي شارك أخيراً في إنتاج سلسلة رسوم متحرّكة لمصلحة شركة «MARVEL ENTERTAINMENT»، فهي عيّنته على رأس قسمها المالي المتخصّص بتكاليف الإنتاج، من أجل رفع مستوى الأعمال ووتيرتها لتقديم أوّل مشروع قبل نهاية العام الجاري. وهو ما يبدو واقعياً في ظلّ الأجواء المشجّعة. فبحسب رئيس «أبو ظبي للإعلام»، إدوارد بورجردينغ، «سنصنع أفلاماً تتضمّن مئات الممثّلين ومئات المخرجين، ومن المرجّح أن تفوز أفلامنا بجواز أوسكار».