قلة من الناس سمعت باسم شركة «HIATT» الإنكليزية، علماً أن نشاطها في صناعة أغلال السجون يعود إلى القرن السادس عشر، وهي أسهمت بدعم عظمة الإمبرطورية البريطانية، إلى أن أعلن مجلس إدارتها أخيراً إقفال آخر مصانعها في بريطانيا ونقلها من برمنغهام إلى نيوهمشير في الولايات المتحدة
باريس ــ بسّام الطيارة
في عام 2006، استحوذت الشركة الأميركيّة، «ARMOR HOLDINGS»، على الشركة البريطانيّة الأولى في صناعة أغلال السجون، «HIATT». وبعد ذلك بقليل اشترت الشركة البريطانيّة العملاقة لصناعة الأسلحة، «BAE SYNSTEMS»، الشركة الأولى وسيطرت بالتالي على منتِج الأغلال.
تطوّرات سريعة توّجت في حزيران الماضي بإعلان أنّ مصنع الشركة في برمنغهام سيقفل على أن يُنقّل إلى فيتزويليام في ولاية نيوهامبشير الأميركيّة، ويستأنف إنتاج الأغلال التاريخيّة في وقت لاحق من العام الجاري، إنّما مع علامة «MADE IN USA».
خطوة «تهجير المصنع» تأتي في إطار العولمة وحصر النفقات واللحاق بالسوق، إذ إن شركة «HIATT»، تصنع «قيوداً وأغلالاً للمساجين» وصنعت ثروتها في أوج «تجارة الرقيق الأوروبية» بين أفريقيا والقارة الأميركية. وبعدما تطوّرت القوانين في القارّة العجوز، باتت «السوق الأميركية»، وخصوصاً معتقل غوانتانامو، «أهم زبائن» الشركة.
ولكن في الوطن الأم أيضاً زبائن مهمّون للشركة: الشرطة البريطانيّة. فبعد الإعلان عن إجراءات نقل المصنع، نقلت صحيفة «تايمز» عن مصدر لم تسمّه في سلك الشرطة قوله إنّ «إغلاق المصنع لن يمثّل مشكّلة لأنّه منذ الآن المشكلة!». ويضيف: «اتصلت أخيراً (بالشركة) للتزوّد ببعض المخزون (من القيود والأغلال)، وأُجبت بأنّهم لن يستطيعوا تلبية أمري لأنّهم سيقفلون... كانت المرّة الأولى التي أسمع فيها بهذا الموضوع».
الصحافة أسهمت في «الترويج» للسلعة المميّزة التي تنتجها الشركة، والمعروفة باسم «الغل المثلث»، وهي القيود التي تكبل اليدين وتمتد بواسطة سلسلة لتكبل أيضاً القدمين بينما يمسك الحارس بسلسلة لضبط إيقاع خطوات السجين المقيّد، وهو المشهد الذي يلاحظ مراراً لدى بثّ صور عن المعتقل المثير للجدل في كوبا، حيث يرتدي السجناء اللباس الموحّد البرتقالي.
ويرى بعض المراقبين أن خطوة «ترشيد التصنيع» جاءت متأخرة قليلاً، إذ إن عدد المساجين في غوانتانامو (حوالى ٣٠٠ حالياً) في تراجع بعد نقل وترحيل أعداد كبيرة إلى بلادهم. فقد نقلت أعداد منهم إلى مصر والسعودية حسبما أعلنته صحيفة «نيويورك تايمز» في ٢٨ من الشهر الماضي، في خطوة وصفها الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركيّة (PENTAGON)، براين ويتمان، بأنّها «تتماشى وجهود الحكومة الأميركية لتشجيع بلدان أخرى على المشاركة في عبء شل حركة الأشخاص الخطرين».
وكشف ويتمان عن أنّ الوزارة تتعاون في هذا المجال مع «عدد من الدول الحليفة في الحرب على الإرهاب»، وأن «الولايات المتحدة تؤكد منذ زمن طويل أنّها لا تريد أن تؤدّي دور حارس سجن للعالم»، مشيراً إلى أنه يجري «بانتظام نقل سجناء من قاعدة غوانتانامو الأميركية» إلى دول أخرى، وفي إشارة إلى مصر والسعودية أضاف «إن معرفتهم بلغة السجناء الأم وثقافتهم يجعل السعوديين والمصريين أكثر كفاءة في إجراء الاستجوابات والتحرك لمكافحة شبكات الناشطين الفاعلة في دولهم». ويرى المتابعون أن السجون الأميركية على سعتها (مليوني معتقل تقريباً) لا تكفي لتبرير الجدوى الاقتصادية لاستيعاب منتجات شركة «HIATT»، وخصوصاً أن قوانين بعض الولايات تمنع استعمال الأغلال، وأنه أمام «انسداد الأفق التجاري» في غوانتانامو فإن السوق الكبرى الوحيدة الباقية لتسويق منتجاتها هي الصين التي تطبّق الأساليب نفسها في تقييد المساجين على نطاق واسع.
تلك الأساليب تولّد للشركة الموجودة منذ 200 عام، مشاكل مع جماعات حقوق الإنسان، تفرض عليها التفكير أبعد من الجدوى الاقتصاديّة. فمنظّمة العفو الدوليّة، «AMNESTY INTERNATIONAL»، تنتقدها لأنّ «السلع» التي تصنعها تستخدمها أنظمة قامعة حول العالم، لتعذيب السجناء.
واللافت أنّ الشركة ترفض التصريح عن حجم المبيعات إلى الشرطة البريطانيّة، فكيف عن مبيعاتها التي تستخدم للتعذيب في «قضايا الإرهاب». وهي تكتفي على موقعها على شبكة الإنترت بالحديث عن ابتكاراتها في إنتاجها. ففي العام الماضي أعلنت أنّها ستبدأ بإنتاج قيود ملوّنة: زهريّ وأرجوانيّ وأخضر وأزرق وأصفر وبرتقاليّ.
وتؤكّد مالكتها، «BAE SYSTEMS»، حسبما تنقل عنها صحيفة «تايمز»، أنّ عمليّة انتقال الإنتاج إلى الولايات المتّحدة من غير المفترض أنّ تؤدّي إلى مشاكل للشرطة البريطانيّة لأنّ «هذا القرار لم يؤخذ على حين غرّة، وهناك خطط طوارئ موضوعة».
... تأسّست «HIATT» لتصنع القيود والأغلال التي استُخدمت في تجارة الرقيق، وتتطوّر مع العولمة لتخفض التكاليف وتتحوّل القيود من سلعة لفرض القانون إلى سلعة للتعذيب.


تميّز تقليدي

تعدّ «القيود السريعة» نموذجاً احتكارياً لشركة «HIATT». وهي تتميّز بصلابتها وبالتصميم المبتكر لقبضتها، ما يكسبها فعاليّة كبيرة في السيطرة على السجين المقاوم حتّى وإن كانت يد واحدة مقيّدة فقط. وتستخدم الشرطة البريطانيّة هذا النوع من القيود بكثرة. وعلى الرغم من تطوّر التكنولوجيا خلال قرنين، لم تتغيّر مبادئ صناعة القيود كثيراً، وبحسب الموقع الإلكتروني للشركة فإنّ ما تغيّر دراماتيكياً هو التصاميم التي أصبحت أكثر تطوراً، لـ«ملاقاة الحاجات المتزايدة للرجال والنساء في السلك الأمني».