كلّ الكلام الذي يصدر منذ فترة، عن عودة مرتقبة للدور الروسي العسكري إلى منطقة الشرق الأوسط، بقي حتّى يوم أمس، مجرّد تصريحات عامّة، أو دعوات وآمال، أو في أحسن الأحوال مجرّد خطوط عريضة لنيات القيادتين الروسية والسورية بتفعيل تعاونهما العسكري.غير أنّ ما نقلته وكالة «إيتار تاس» الروسية الحكومية، أمس، عن مسؤولين عسكريين روس، حسمت ما كان يدور في خانة التشكيك بإحياء تحالف روسي ـــــ سوري يعود إلى الحقبة السوفياتية.
فقد أكّدت الوكالة أن السلطات الروسية تقوم بإعادة ترميم مرفأ طرطوس السوري العسكري، من ضمن جهود روسية لإعادة «موطئ قدم» لها في المنطقة.
وأوضحت الوكالة نفسها أنّ سفينة روسيّة غادرت البحر الأسود قبل فترة وبدأت أعمال ترميم مرفأ طرطوس ليصبح جاهزاً من جديد لاستقبال الأسطول الروسي، على غرار ما كان جارياً خلال مرحلة الحرب الباردة عندما وُضع بتصرف الأسطول الروسي بموجب اتفاق وُقِّع بين الجانبين في عام 1971، ما لبث أن أُلغي العمل به مع انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991.
وكشفت الوكالة الروسية عن أنّ قائدي سلاح البحريّة الروسي والسوري اجتمعا أمس في موسكو، حيث تباحثا في سبل «تقوية ثقة متبادلة وتفاهم ثنائي»، حسبما أكّد المسؤول في البحرية الروسيّة إيغور ديغالو.
وأشارت وكالة «أسوشييتد برس» إلى أنّ هذه الخطوات المتسارعة، التي بدأت مع طلب الرئيس السوري بشار الأسد من نظيره ديمتري مدفيديف بيعه أنواعاً متطورة من السلاح الروسي خلال زيارته الأخيرة إلى مدينة سوتشي ووصلت إلى ذروتها بالإعلان عن ترميم المرفأ السوري، تمثّل إعلان موسكو الرسمي الأول السير قدماً بإحياء التحالف العسكري بين البلدين. كذلك رأت أنّ إعادة ترميم المرفأ قد توحي بوجود نية «بتثبيت وجود عسكري روسي طويل الأمد في المنطقة». وذكّرت الوكالة بكلام السفير الروسي لدى دمشق في آب الماضي، إيغور بلييف، عن وجود عدد من السفن العسكرية الروسية في سوريا، موضحاً أنّ «الجديد يكمن في أنّ هذا الوجود سيصبح دائماً في مياه البحر المتوسّط».
ورأى القائد السابق للأسطول الروسي في البحر الأسود، إدوار بالتين، أنّ مرفأ طرطوس «سيكون دافعاً كبيراً بالنسبة إلى روسيا للقيام بعمليات في الشرق الأوسط»، موضحاً أنه «من الأفضل بكثير أن تملك تسهيلاً مماثلاً لسفنك العاملة في المتوسّط (الرسو في مرفأ في طرطوس) بدل أن تعود إلى مركزها» (في البحر الأسود).
بدوره، أوضح النائب السابق لقائد سلاح البحرية الروسيّة، الأدميرال إيغور كاساتونوف، أنّ «مرفأ طرطوس يجسّد قيمة جيو ـــــ سياسيّة هائلة»، إضافة إلى أنه «يمثّل التسهيل المماثل الوحيد بالنسبة إلى القوات البحرية الروسية في الخارج».
في المقابل، أشار الخبير الأمني البريطاني ديفيد هارتويل إلى أنّه «من الخطأ أن نظنّ أن التطوّر العسكري بين روسيا وسوريا جاء على خلفيّة تداعيات حرب جورجيا وموقف حلف شمالي الأطلسي من النزاع، لأنّ المباحثات بين الدولتين بشأن هذا الموضوع قديمة».
(أ ب)