تطمح الصين إلى رفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (3.4 تريليون دولار عام 2007) في عام 2020، إلى 3500 دولار أي ما يمثّل ضعف الرقم المسجّل عام 2000. وهي بذلك تعتمد على خطة، مرجعيّتها «مسيرة تحديثيّة»، ستجعلها تتخطّى الولايات المتّحدة من ناحية الحصّة في الناتج الصناعي الكوني العام المقبل
حسن شقراني
بحسب المؤرّخين، سيطرت الصين على المرتبة الأولى في قطاع الإنتاج الصناعي في العالم لفترة 1800 سنة، حتى عام 1840، حين رفعت الثورة الصناعيّة صمام النموّ في بريطانيا إلى مستويات جديدة قبل أن تنتقل تلك الثورة إلى الولايات المتّحدة، وتتحوّل إلى ثورات جعلت بلاد كولومبوس، رائدة التصنيع على مدى 100 عام.
ففي بداية القرن السابع عشر كانت حصّة الصين من الناتج المحلّي الإجمالي الكوني، 33 في المئة. ومع بداية القرن الماضي، بلغت تلك الحصّة 9 في المئة فقط، بسبب التطوّر الخارق الذي عصف بالقارة الأوروبيّة، وفي ما بعد بأميركا الشماليّة. وذلك التطوّر لم تطل مفاعيله البلاد الشرقيّة، التي لم يمنع تفرّدها الثقافي التاريخي، من تحوّلها إلى شيوعيّة، ومن تطويع النظريّة لتصبح من جديد البلد الأوّل عالمياً في الإنتاج الصناعي.
مركز الأبحاث والاستشارات الاقتصاديّة «GLOBAL INSIGHT»، أعدّ بحثاً لمصلحة صحيفة «FINANCIAL TIMES»، رأى فيه أنّ الصين ستتخطّى الولايات المتّحدة العام المقبل، لتصبح المنتج الصناعي الأوّل عالمياً، وستبلغ حصّتها من القيمة المضافة التي ينتجها التصنيع، 17 في المئة من إجمالي 11.783 مليار دولار، فيما ستبلغ حصّة الولايات المتّحدة 16 في المئة.
وتأتي هذه التقديرات مخالفة للتوقّعات، ولكن متوافقة مع التطوّرات الاقتصاديّة في الولايات المتحدة. فقد قدّر تقرير سابق لـ«GLOBAL INSIGHT»، نشر في أواخر العام الماضي، أن يتمّ هذا التطوّر في عام 2013، ولكن الركود الذي تعيش الولايات المتّحدة مراحله الأولى، مع ارتفاع نسبة البطالة إلى 5.7 في المئة، وانخفاض نسبة نموّ إنتاج المصانع، وتراجع الاستهلاك (وضمنه استهلاك الوقود)، يدفع نحو توقّعات أكثر سلبيّة في ما يتعلّق بأداء الاقتصاد الأكبر في العالم، خلال عام 2009.
وفي العام الماضي، كانت الولايات المتّحدة لا تزال تسيطر على الصدارة العالميّة من ناحية حجم الناتج الصناعي، إذ ساهمت بنسبة 20 في المئة في إنتاج القيمة الصناعيّة المضافة، فيما كانت حصّة غريمتها الآسيويّة، 13.2 في المئة فقط. وهذه القفزة الصناعيّة الصينيّة (3.8 نقاط من النموّ)، تعبّر عن التطوّر الخارق في قطاع الصناعة الذي شهده الاقتصاد الصيني خلال السنوات الـ20 الماضية. ففي عام 1990، كان البلد الشيوعي مسؤولاً عن 3 في المئة فقط من الناتج الصناعي الكوني، وتعدّ مسيرته التحديثيّة في الصناعة، في ظلّ الإجراءات الإصلاحيّة التي اعتمدها النظام في بكين، عبارة عن ثورة صناعية جديدة، كتلك التي شهدتها أوروبا، رفعت حصّته في الصناعة الكونيّة 14 نقطة مئويّة.
وعلى الرغم من أنّ التصنيع مثّل 17.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلّي الكوني لعام 2007، إلّا أنّه يعدّ أساساً لعجلة العديد من القطاعات الاقتصاديّة الأخرى التي تشاركه في تكوين ذلك الناتج: البيع بالتجزئة والتوزيع والنقل والاتصالات.
ويمكن حساب القيمة المضافة في قطاع الصناعة عبر طرح قيمة مدخلات التصنيع (المواد، القطع، الخدمات) من إجمالي الإنتاج المقاس باستخدام مبيعات الشركات.
رئيس الجمعيّة الوطنيّة للصناعيّين، وهي مؤسّسة مركزها الولايات المتّحدة، جون إنغلر، قلّل من أهميّة التوقّعات. وقال إنّ مسألة تطوّر حصّة الصين لتتناسب مع حجمها، هي مسألة «حتميّة»، وهذا التطوّر «يجب أن يكون مفيداً جداً للولايات المتّحدة، لأنّه يعد باستقرار اقتصادي في أكبر بلد في العالم (من ناحية عدد السكّان: 1.3 مليار نسمة)، وبفرص مستمرّة للولايات المتّحدة للتصدير والاستثمار في أكثر الاقتصادات نموّاً في العالم».
ولكن على الرغم من إيجابيّات هذا المؤشّر بالنسبة إلى الولايات المتّحدة، بحسب إنغلر، إلّا أنّه يعبّر عن التحوّلات التي تطرأ على الاقتصاد العالمي الذي يعاني جرّاء تباطؤ اقتصادات البلدان الصناعيّة، ويبقى رغم ذلك ينمو بفعل الانطلاقات المستمرّة والمتجدّدة للبلدان النامية.
فالصين تحوّلت إلى «قوّة عظمى». والتصنيف يطلقه روّاد الرأسماليّة المعولمة، من الصناعيّين والمصارف الاستثماريّة والشركات المتعدّدة الجنسيّات. وآخر المتحدّثين في هذا السياق كان المدير العام لثاني أكبر شركة في العالم في قطاع الإعلان والترويج، «WPP»، مارتن سوريل. الذي قال أمس، «من الواضح أنّ الصين هي إحدى القوّتين الرائدتين في العالم (إلى جانب الولايات المتّحدة). وأن يُعترف بمقدرتها في شتى المجالات تطلّب منها الكثير من القوّة».


نمو بنسبة 18.5%

نما الناتج الصناعي الصيني، بنسبة 18.5 في المئة العام الماضي، أي أكثر بـ1.9 نقطة مئويّة، مقارنةً بالنسبة المسجّلة في عام 2006، بحسب المكتب الوطني الصيني للإحصاءات. وتوسّع إنتاج الشركات التي يزيد مدخولها على 690 ألف دولار، بنسبة 17.4 في المئة في كانون الأوّل الماضي. وباعت 98.1 في المئة من إنتاجها خلال العام كلّه. ومن المحتمل أنّ يتوسّع الناتج المحلّي الإجمالي بنسبة أقلّ هذا العام، بسبب أزمة الائتمان العالميّة والانكماش في الولايات المتّحدة، الذي قد يكبح الطلب على الصادرات الصينيّة.