منذ تسعينيّات القرن الماضي، حين اجتاحت مجموعات من المهاجرين المكسيكيّين الحدود «غير المتينة» لمدينة سان دييغو، والصرخة تعلو في ولاية كاليفورنيا لتأمين الحماية من «الغزاة». السلطات تبني الآن سياجاً بتكلفة 57 مليون دولار في المدينة، فيما التوقّعات تفيد بأنّ البيض سيصبحون أقليّة عام 2035
حسن شقراني
رغم زيادة عدد الدوريّات والتحذيرات التي يطلقها البيئيّون في شأن حماية محيط نهر تيجوانا (معقل أكثر من 370 نوعاً من الطيور)، تصرّ السلطات الأميركيّة على بناء أسيجة جديدة على الساحل الغربي للولايات المتّحدة، من أجل حماية الأرض الجديدة من المهاجرين الآتين من المكسيك.
وآخر تمظهرات تلك الحماية، البدء في بناء سياج بطول 5.6 كيلومترات، بعد 12 عاماً من التخطيط والمراجعات البيئيّة و«التحدّيات القانونيّة». وهو يمتدّ من متنزّه واقع على حيّد عند المحيط الهادئ ويمرّ بواد يسمّى «SMUGGLERs GULCH» (وادي المهرّبين)، الذي كان يسيطر عليه المهاجرون غير الشرعيّين، إلى أنّ قامت القوّات الأميركيّة بحملة واسعة، دفعت بـ«حزام السيطرة» نحو الجبال والمناطق الصحراويّة النائية في كاليفورنيا وأريزونا.
وسيكلّف الميل الواحد من هذا السياج 16 مليون دولار (لكلّ 1.6 كيلومتر)، وهي كلفة أعلى بكثير من كلفة الأسيجة التي تبنى على الحدود مع المكسيك، التي يبلغ طولها 3140 كيلومتراً. والجزء المنوي بناؤه عند حدود سان دييغو سيكلّف 57 مليون دولار، في إطار اتفاق مع شركة «KIEWIT». والجزء الأكبر من الكلفة سيكمن في ملء «وادي المهرّبين» بنحو 1.9 مليون طن من التراب، وفي بناء مجرى ماء إسمنتي، لتوجيه مياه الأمطار المتدفّقة من تيجوانا.
والمنطقة الحدوديّة محميّة حالياً بسياج مترهّل مصنوع من الحصر الباقية من أعمال البحريّة الأميركيّة، كما يجوب عناصر شرطة حدود المنطقة، التي يقطعها المهاجرون بعد الانتقال عبر الأشجار لمسافة 3.2 كيلومترات، للوصول إلى أقرب منطقة تحوي متاجر أو منازل.
وقد ارتفع عدد الموقوفين خلال العام الماضي، رغم زيادة عناصر الرقابة عند الحدود. وبلغ عدد عمليات التوقيف 16738 عملية في المنطقة بين تشرين الأوّل وتمّوز الماضيين، أي بمعدّل 16 موقوفاً في اليوم الواحد. وهذا الرقم يسجّل ارتفاعاً بالغاً مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، حين وصل عدد الموقوفين إلى 7944 موقوفاً.
«هذا جنون» يقول مدير مركز «BIONATIONAL CENTER FOR HUMAN RIGHTS» في تيجوانا، فيكتور كلارك ألفارو. فليس هناك أي مبرّر لصرف 60 مليون دولار على منطقة لم تعد تمثّل معبراً مهماً. فرغم أنّ السياج الجديد سيخفّض عدد المهاجرين إلى صفر تقريباً، إلّا أنّه سيؤدّي إلى أضرار بيئيّة جسيمة.
ولكن بعيداً من الأضرار الجسيمة والخطر الذي يتهدّد النظام البيئي في منطقة تيجوانا عند الحدود المكسيكيّة الأميركيّة، تبقى أهميّة السياج بالنسبة للسلطات الأميركيّة في خانة أخرى. فتدفّق المهاجرين غير الشرعيّين يولّد مسألة بالغة الأهميّة بالنسبة لأميركا المعهودة بعد اكتشافها في القرن السادس عشر: أعداد الهسبان والأجانب ستزيد عن أعداد البيض، بوتيرة أسرع من المتوقع.
فبحسب دراسة نشرها مكتب الرقابة الأميركي، الأسبوع الماضي، فإنّه بحلول عام 2042 لن يعود «بيض الولايات المتّحدة» غالبيّة في البلاد، أي أبكر بـ8 سنوات مقارنة بالتوقعات السابقة.
ففي عام 2010، 65 في المئة من سكّان الولايات المتّحدة سيكونون بيضاً، إلّا أنّ هذه النسبة ستبدأ بالانحدار مع بداية عام 2030، حين ستزيد الوفيات عن الولادات في صفوفهم. وبعد 12 عاماً، سيصبح عدد الهسبان والسود والآسيويّين والهنود الأميركيّين والهاوايّين وسكّان جزر المحيط الهادئ، أكبر. وبعد ذلك بـ8 أعوام، أي في منتصف القرن الواحد والعشرين، حين سيصبح عدد سكّان الولايات المتّحدة 439 مليون نسمة، ستصبح نسبة الأجانب 54 في المئة من الأميركيّين.
والمثير في موضوع الربط بين تسييج الولايات المتّحدة وتغيّر طبيعتها الإثنيّة (وما لذلك من ارتدادات اقتصاديّة واجتماعيّة بسبب تحويلات المهاجرين وتبدّل الهيكليّات الإنتاجيّة) هو أنّ النموّ الأكبر في عدد الأجانب سيكون بين صفوف الهسبان، الذين يتوقّع أنّ يبلغ عددهم 133 مليون نسمة في عام 2050، أي نحو 33 في المئة من نموّ سكّان الولايات المتّحدة (عددهم الآن نحو 300 مليون نسمة) بين عامي 2010 و2050. والسبب في ذلك يعود إلى ارتفاع معدّلات الولادة، وبطبيعة الحال إلى الهجرة، الشرعيّة وغير الشرعيّة.
... فيما «لم يشهد بلد آخر وتيرة سريعة كهذه للتغيّر العرقي والديموغرافي»، حسبما يقول الخبير مارك ماثر لصحيفة «نيويورك تايمز»، يظهر منذ الآن التحوّل الإثني جلياً في ولايات عديدة، أوّلها كاليفورنيا وتكساس... الولاية الأولى بدأت تسيّج نفسها خوفاً من التحوّل لكي تبقى الأرض الجديدة «أرض البيض».


مخاوف عام 2050

تتزايد المخاوف في الولايات المتّحدة في شأن التحوّلات الإثنيّة والديموغرافيّة التي ستغيّر طبيعة البلاد مع حلول منتصف القرن الحالي. فإلى جانب «خطر الهسبان»، ستمثّل الجالية الآسيّوية 8 في المئة من سكّان البلاد عام 2050 (4.5 في المئة عام 2010). أمّا نسبة السود فتشير التوقّعات إلى أنّها ستنخفض من 12.2 في المئة عام 2010 إلى 11.8 في المئة عام 2050. كما أنّ عدد المسنّين (فوق 65 عاماً) سيرتفع من 38.7 مليون نسمة إلى نحو 88.5 مليون نسمة عام 2050، مع تقدّم «جيل ما بعد الحرب العالميّة الثانية» بالعمر.