لم يكن ينقص سوق الرهن العقاري الأميركية سوى انهيار جديد لمصرف عملاق: «إندي ماك» بأصوله البالغة 32 مليار دولار، ووضعه يوم الجمعة الماضي تحت «الوصاية الفدراليّة» لنقص سيولة وفقدان ثقة الزبائن... تطوّر يؤكّد أنّ الأسوأ من أزمة الرهون العقاريّة لم يأت بعد، لتتحقّق ربّما نبوءة تسجيل «خسائر الـ1 تريليون دولار»
واشنطن ــ محمد سعيد

أثار انهيار مصرف «إندي ماك»، أحد أكبر مصارف التمويل العقاري في الولايات المتحدة، إلى جانب التعثّر المالي الذي تشهده أكبر شركتين أميركيتين لضمان القروض العقاريّة، «فاني ماي» و«فريدي ماك» مزيداً من المخاوف بأنّ أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة تتجه نحو التصاعد لتتحوّل إلى انهيار يُدخل الاقتصاد الأميركي مرحلة ركود مخيف.

سحب 1.3 مليار دولار من الودائع

ويُعدّ المصرف المتعثّر، الذي يتخذ من باسادينا في ولاية كاليفورنيا مقراً له، ثاني أكبر مؤسسة ماليّة تنهار في تاريخ الولايات المتحدة منذ عام 1991، وقد سحب المودعون منذ مطلع الشهر الجاري، وحتى يوم الجمعة الماضي 1.3 مليار دولار من ودائعهم فيه، عقب انتشار أنباء عن مخاوف من تراجع مستوى السيولة في المصرف، الأمر الذي حدا السلطات إلى التدخل ومصادرة أصول البنك المنهار التي تقدر بنحو 32 مليار دولار وودائع تصل إلى 19 مليار دولار.
وكان المصرف قد أعلن الأسبوع الماضي أنّه في خضمّ مرحلة إيقاف الإقراض، ويخطّط للتخلّي عن 3800 وظيفة، أي أكثر من نصف قوّته العاملة. فخلال عام 2006، الذي شهد أوج نجاحاته، وظّف المصرف، الذي عمل في الآونة الأخيرة على هامش الأزمة العقاريّة، 10 آلاف شخص.
وتأتي هذه التطوّرات في أعقاب انهيار قيمة أسهم «فريدي ماك» و«فاني ماي»، وهما أكبر شركتين للتمويل العقاري في الولايات المتحدة، وهما تسيطران على أكثر من نصف سوق العقارات الأميركية، وسط مشاعر قلق بين المستثمرين من اتساع آثار أزمة الائتمان على القطاع المالي واستقرار شركتي التمويل العقاري المدعومتين من الحكومة الأميركية.

سوق بـ5 تريليونات دولار

وتصل قيمة الرهون العقارية التي تضمنها الشركتان إلى أكثر من 5 تريليونات دولار من أصل قيمة الرهون العقارية في السوق الأميركية البالغة نحو 9 تريليونات دولار. وقد انهارت أسهم الشركتين بنحو 50 في المئة، بسبب مخاوف من أنّهما قد لا تجدان سيولة لتمويل مشاريعهما نتيجة فشل عملائهما في تسديد القروض العقارية المتراكمة. وجدير بالذكر أن الشركتين مسؤولتان عن دعم القروض التي يمنحها «إندي ماك» وضمانها.
وقد تسببت أزمة الرهون العقارية بخسارة الشركتين 13 مليار دولار منذ شهر حزيران من العام الماضي، وقد هبطت أسعار أسهمهما بنحو 80 في المئة. وخسر سهم «فاني ماي» يوم الجمعة الماضي، لدى إغلاق التداول في بورصة «وول ستريت»، 2.53 دولار، أي ما نسبته 19 في المئة من قيمته، ليصل سعره إلى 10.67 دولارات، فيما هبط سعر سهم «فريدي ماك» 35 سنتاً، أي بنسبة 4.4 في المئة، ليصل إلى 7.65 دولارات.
وتجدر الإشارة إلى أنّ صندوق النقد الدولي كان قد حذّر في السابق من أنّ أزمة الرهون العقاريّة الأميركيّة، وتداعياتها على المؤسّسات الماليّة في العالم قد تؤدّي إلى خسائر تبلغ 945 مليار دولار، أي ما يقارب الـ1 تريليون دولار.

تأميم أم إنقاذ؟

وقد استبعدت الحكومة الأميركية «تأميم» الشركتين، إلّا أنّها أبقت الباب مفتوحاً لإنقاذهما، وهو الأمر الذي قلّل من زيادة هبوط أسهمهما بعدما أعلن وزير المال الأميركي، هنري بولسون، أنّه لا نية للسلطات الفدرالية في تسليم إدارة الشركتين إلى القطاع العام. إلّا أنّ مصادر أميركية رسمية قالت إن بولسون ينظر في خطة لاستعادة الشركتين عافيتهما المالية بوضعهما تحت الفصل 11 من نظام التفليسة بما يضمن تنظيم أمورهما الماليّة.
الشركتان قالتا بصورة منفصلة، إنّهما «مرسملتان بطريقة ملائمة»، وتمتلكان الكثير من السيولة، رغم المخاوف المتكاثرة في السوق، فيما سارع مجلس الشيوخ الأميركي إلى الموافقة على مشروع قانون لحماية ملاك العقارات ممّن هم على علاقة بـ«فاني ماي» و«فريدي ماك». ويوفر مشروع القانون، الذي نال موافقة 63 عضواً مقابل 5 أعضاء، المساعدات لملاك العقارات الذين يواجهون المصاعب، على تجنب استيلاء المُقرض على العقار من خلال إعادة تمويل قروض الرهن العقارى الخاصة بهم وتحويلها إلى قروض ذات معدلات فائدة ثابتة تحظى بدعم من الحكومة.
ويقدم مشروع القانون حوافز ضريبيّة لمشتري العقارات المحتملين، ويخصّص 4 مليارات دولار لمساعدة المواطنين على شراء العقارات المرهونة التي استحوذ عليها المقرضون. ومن المقرر أن ينظر مجلس النوّاب في نسخة مماثلة من مشروع القانون في غضون الأسبوعين المقبلين، قبل تقديم مسودة نهائية للرئيس الأميركي جورج بوش للنظر فيها.
وعلى الرغم من أن حكومة بوش قد هددت من قبل باستخدام حق الاعتراض، «فيتو»، على المشروع، غير أنّها أبدت عزمها على التوصل إلى حل وسط.


خطوات حذرة لـ«الإنقاذ»

أعرب المرشّح الديموقراطي إلى الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، باراك أوباما، عن ثقته بأنّ «خطوات حذرة» تقوم بها الحكومة الأميركيّة، تستطيع موازنة أوضاع الشركتين العقاريتين العملاقتين، «فريدي ماك» و«فاني ماي». وقال، خلال رحلة إلى سان دييغو: «علينا الفهم أنّ هاتين المؤسّستين تؤديان دوراً حسّاساً لتوفير شراء الأميركيّين لمنازل». وأضاف: «هناك تعريفات لكيفيّة يجب أن يكون الإنقاذ (الحكومي)، فالمسائل المتعلّقة بسيولة المدى القصير، تأتي في مواجهة مشكلة عدم سلامة طبيعة أصول المؤسّستين».