بلغت نسبة التضخّم في اليابان في حزيران الماضي، مستوى قياسياً خلال 27 عاماً، بسبب ارتفاع أسعار النفط والمواد الأوليّة. وهذا ما ينعكس «آلاماً ماليّة» تحاول الحكومة جاهدةً مواجهتها، عبر خفض حدّة إجراءات كانت سالفاتها قد اتّخذتها وأعادت هيكلة الاقتصاد ووجّهته نحو الريعيّة
طوكيو ــ بسّام الطيارة
عندما يترجّل اليابانيّون من قطارات الأنفاق وبأياديهم الصحف التي قرأوها خلال فترة الانتقال الطويلة نسبياً، أو علبة «البنتو» التي حوَت وجبة غذائهم يسرعون إلى حاويات القمامة ويصطفون بانتظار دورهم لفرز قمامتهم حسب نوعيتها حفظاً للبيئة.
هذه الصحف والمجلات التي «يتخلص» منها اليابانيون تبلغ يومياً مئات الأطنان يعاد «تدويرها»، إذ إن اليابان، رغم كونها تحتل المرتبة الخامسة من حيث «استهلاك الورق» (٢٤٩ كلغ من الورق يومياً في السنة للفرد) إلّا أنها في طليعة مستعملي المواد الورقيّة. ويعود السبب إلى حلقة إعادة التدوير (recycling) التي يُسهم بها المواطن الياباني الذي يحتل المرتبة الأولى في العالم في «كمية القراءة».
ومن اهتمامات القراء اليابانيين الأولى «صحة اقتصادهم» الذي يحتل المرتبة الثانية عالمياً. فآخر الأرقام تشير إلى أن نسبة البطالة بلغت ٤ في المئة (2,7 مليون عاطل من العمل)، أي زادت بنسبة ٤,٧ في المئة عن العام الماضي، مع الأخذ في الاعتبار تراجع عدد «العاملين الفعليين» بسبب تراجع عدد السكان في اليابان عموماً.
أما نسبة التضخم، فقد سجلت ارتفاعاً للمرّة الأولى منذ 10 سنوات لتبلغ 5.1 في المئة. وبحسب أكثر من خبير، فإن السبب يعود إلى ارتفاع أسعار المواد الأوليّة وخصوصاً النفط. وفي هذا السياق تشير وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية في آخر تقرير لها إلى أنّ واردات اليابان من النفط الخام في أيّار الماضي زادت بنسبة ١٦,٣ في المئة، مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي.
ولكن هذا لا يعني أن كلّ المؤشرات تميل إلى السلبية، ذلك أن معدل نمو التصنيع ارتفع بنسبة ٢,٩ في المئة خلال الشهرين الأخيرين. وبحسب المجلّات المتخصّصة، فإنّ «التفاؤل كبير لدى الشركات الكبرى»، إذ إن عدداً منها يستعد لإطلاق سلع جديدة في الأسواق العالميّة. فالتقرير الأخير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يشير إلى أنّ الاقتصاد الياباني لا يزال في طور النمو بمعدل يتراوح بين 1.5 نقطة ونقطتين سنوياً، وتمثّل ديناميّة شركات الصناعة الطليعية، قاعدة هذا النمو وقاطرته الأولى.
إلّا أنّ التقرير يلفت أيضاً إلى أنّه رغم تراجع الخلل في ميزان المدفوعات إلى ٤ في المئة، فإنّ طوكيو تجد نفسها أمام ضرورة محاربة الدين العام الذي تبلغ نسبته نحو 190 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي، وبالتالي ضرورة البدء في عمليّة إعادة هيكلة النظام الضرائبي لتشجيع الاستثمارات المساهمة في التنمية الصناعية على المدى الطويل، وذلك مع إعادة توازن الضرائب لتكون أكثر عدالة، وفي ظلّ التشديد على ضرورة زيادة الضرائب المباشرة ورسوم الاستهلاك لزيادة مدخول الخزينة.
وتطالب المنظمة اليابان بأن تعمل على «التشريع من أجل حث المواطنين على الابتعاد عن الاقتصاد الريعي». فمن المعروف أن عدداً كبيراً من اليابانيين عمدوا خلال السنوات الأخيرة إلى جعل المضاربات في البورصات العالميّة أو في العقارات «مهنتهم» بسبب المردود العالي الذي توفره هذه المجالات.
إلا أنهم بخلاف مضاربي الدول الأخرى، وخصوصاً في البلدان الغربيّة، هجروا عالم العمل مستفيدين من تحفيزات الخروج المبكر إلى التقاعد التي قدّمتها الحكومات المتعاقبة لفسح المجال لعمل الناشئين وللحد من البطالة.
غير أنّ ما لم تتنبّه إليه السلطات، في هذا القانون، هو أن النظام الضرائبي المعمول به حالياً «يفرض رسوماً على العمل أكثر مما يفرض رسوماً على رأس المال»، ما انعكس تراجعاً في مداخيل الدولة ونظام الضمان الاجتماعي العام. ويفسّر هذا النسبة المرتفعة لـ«السيّاح اليابانيين في الخارج أو في الداخل». إذ يرتفع عددهم سنوياً بسبب زيادة نسبة المعمّرين بينهم (الرقم القياسي في العالم) مع استفادة قصوى من الخدمات التي توفرها «خدمات الدولة العامة» بينما إسهامهم في مداخيل الضرائب هي بسيطة جداً مقارنة بالرسوم المفروضة على العمل.
ولكن هؤلاء السيّاح الذين لا يدفعون ضرائب، والمطلوب منهم تدوير أموالهم في «الحلقة الاقتصادية الإنتاجية» لم يتمكّنوا، بسبب الإجراءات الأمنيّة، من التوجه إلى محيط بحيرة «تويا» الجميلة في هوكايدو، حيث اجتمع زعماء مجموعة الدول الصناعيّة العظمى (G8)، في 10، 11 و12 من الشهر الجاري، للتباحث في مشاكل العالم الرأسمالي الذي تُعَدُّ اليابان بحسب «الصيغة القديمة» إحدى ركائزه الثلاث، إلى جانب الولايات المتّحدة وأوروبا.


رؤية اليابان

واجه رئيس الوزراء الياباني، ياسو فوكودا، موجة من الانتقادات بسبب استضافته لقمّة مجموعة الدول الصناعيّة الكبرى، «G8». فالعديد من المراقبين هاجموه لأنّ زعماء العالم الصناعي لم يتمكّنوا من التوصّل إلا إلى مقرّرات متواضعة متعلّقة بضرورة خفض الاحتباس الحراري مع حلول عام 2050. وفي هذا السياق، قال الرئيس السابق لـ«الحزب الديموقراطي»، كاتسويا أوكادا: «رغمّ أنّ فوكودا قال في مرّات عديدة إنّ هناك حاجة لتحديد مدى قصير (للسيطرة على الاحتباس الحراري) إلّا أنّ (رؤية اليابان) لم تعرض خلال القمّة».