في إطار الزوبعة التي تعانيها الأسواق الماليّة، يرتفع عدد الشركات التي تسجّل خسائر تكون عادة أكبر من المتوقّع. وهذا ما حدث مع مصرف «MERRIL LYNCH»، الذي أعلن وقوع خسائر بـ4.9 مليارات دولار، فيما تستمرّ أرباح شركات من خارج سرب المتضرّرين من أزمة الرهون العقاريّة مثل «GOOGLE»
حسن شقراني
أكّد صندوق النقد الدولي في منتصف الأسبوع الجاري، توقّعاته السابقة القائلة إنّ الخسائر الناتجة من الأصول الماليّة الأميركيّة المتعلّقة بالرهون العقاريّة، ستبلغ 1 تريليون دولار. وقال مدير القسم النقدي والأسواق الماليّة في الصندوق، جايمي كاروانا: «نعتقد أنّ هذا الرقم هو منطقي، ولن نعيد مراجعة حساباتنا كلّ يوم».
ولكن الشركات الكبرى (مصارف استثماريّة ومؤسّسات ماليّة) تراجع حساباتها الفصليّة بقلق، نظراً لأنّ أزمة الائتمان لا تزال تمسّ بمستوى أدائها في البورصات. فمنذ الصيف الماضي، حين انطلقت شرارة القلق في الأسواق الماليّة، يسجّل عمالقة عالم المال خسائر ضخمة: مصرف «CITIGROUP» شطب من محفظته الماليّة ما يفوق 40 مليار دولار، و«UBS» نحو 38 مليار دولار، و«MERRIL LYNCH» سجّل شطوبات بقيمة 31.5 مليار دولار.

خسائر

يوم أوّل من أمس، أعلن المصرف الاستثماري الأخير، وقوع خسائر فصليّة تفوق المتوقّع: 4.9 مليار دولار، نتيجة شطبه لـ9.4 مليارات دولار، من السندات والأدوات الماليّة المتعلّقة بالرهون العقاريّة... وبلغ حجم شطوباته الكليّة من محفظته الماليّة منذ اندلاع الأزمة الماليّة نحو 40 مليار دولار، ليبلغ الحجم الكلّي لخسائره حتّى الآن، 19.2 مليار دولار.
وهذه الخسارة هي الرابعة على التوالي التي يعلنها «MERRIL LYNCH»، ثالث أكبر مصرف استثماري في بورصة «WALL STREET». وبلغت ضعفي ما توقّعه المحلّلون.
«MERRIL LYNCH» لم يكن الوحيد الذي أعلن حدوث خسائر أوّل من أمس. فالمصرف الاستثماري الذي يتصدّر «لائحة الخاسرين» نتيجة أزمة الائتمان في البورصات، «CITIGROUP»، كشف أنّه سجّل في الربع الثاني خسائر بقيمة 2.5 مليار دولار وطرد نحو 6 آلاف موظّف (ما يرفع عدد الموظّفين المطرودين منذ بداية العام إلى 11 ألف موظّف)، بسبب الأداء السيّئ في الفصل، نتج من عجز المقترضين عن تسديد مستحقّات ديونهم.
كذلك فإنّ الفصل الثاني لم يكن ممتعاً لشركة «CAPITAL ONE FINANCIAL». فقد أعلنت انخفاض عائداتها بنسبة 40 في المئة، نظراً للزيادة الحادّة في الاحتياطات المخصّصة لتغطية خسائر القروض، في ظلّ استمرار التدهور في سوق الائتمان.
وقد خصّصت الشركة، التي تتميّز بأهميّة كبيرة في مجال الإقراض عبر بطاقات الائتمان وتمويل قروض السيّارات، خلال الربع الثاني من العام، 829.1 مليون دولار لتغطية القروض المتعثّرة.

تكنولوجيا الأرباح!

على صعيد آخر، اللافت هو أنّه في مقابل الخسائر المسجّلة لدى المؤسّسات الماليّة المعرّضة لازدياد مخاطرها الناتجة من أزمة الرهون العقاريّة، فإنّ شركات التكنولوجيا والإنترنت لا تنفكّ تسجّل أرباحاً.
فأرباح الربع الثاني لـ«GOOGLE»، ارتفعت بنسبة 35 في المئة على أساس سنوي، بسبب النموّ القوي في الأسواق الخارجيّة (غير الولايات المتّحدة) الناجم عن زيادة من العمليّات الإعلانيّة. وبلغت عائدات عملاق الشبكة الإلكترونيّة، 5.73 مليار دولار، حتّى 30 من الشهر الماضي.
وفي تعليقه على النتيجة، قال المدير التنفيذي للشركة، إريك شميدت، إنّ «النموّ العالمي القويّ، إضافة إلى زيادة في عدد زائري موقع GOOGLE وملحقاته، وفّرت لنا ربعاً ثانياً قوياً، رغم بيئة اقتصاديّة تزداد صعوبة»، فيما ستستمرّ شركته في «الإنفاق الاستثماري المهمّ»، بحسب تقرير أصدرته.
زميلة «GOOGLE» في عالم التكنولوجيا الصلبة، «IBM»، أعلنت أنّ أرباحها في الفصل الثاني، قفزت بنسبة 22 في المئة. فقد بلغت قيمة تلك الأرباح حتّى نهاية الشهر الماضي، 2.77 مليار دولار، أي بما يفوق مستوى التوقّعات. كذلك فإنّ الأرباح خلال الفترة نفسها ارتفعت بنسبة 13 في المئة (على أساس سنوي)، لتصبح 26.8 مليار دولار، أي أكثر من توقّعات المحلّلين بـ900 مليون دولار. وهو فارق كبير يشير إلى النعيم الذي تعيشه شركات التكونولوجيا والمعلومات مقارنة بالشركات الماليّة والمصارف الاستثماريّة.
وبالعودة إلى أداء «MERRIL LYNCH» وخسائره القاسية، فإنّ هذا المصرف الضخم اضطرّ لبيع حصّته في شركة «BLOOMBERG»، وقيمتها 4.5 مليارات دولار، لتغطية الخسائر المستجدّة. وهو بالتالي، مثل معظم المؤسّسات الماليّة، يعاني في بحر عدم اليقين في أسواق الائتمان، فيما شركات التكنولوجيا تبحر بسلامة وتحقّق أرباحاً قيّمة... ربّما كي تعود من جديد «فقاعة» قطاع الإنترنت التي أدخلت الاقتصاد الأميركي في ركود في أوائل القرن الجاري، مثلما هي الحال الآن.


انعكاسات متفاوتة

كان لأزمات الأسواق الماليّة، انعكاسات متفاوتة على المصارفة الاستثماريّة. فأزمة «الاثنين الأسود» في عام 1987، بلغت حدّتها 4 (على مقياس أقصاها درجته الأعلى 10)، وتطلّب عودة عائدات الشركات إلى مستويات ما قبل الأزمة عاماً كاملاً. وأزمة فقاعة قطاع تكنولوجيا الإنترنت ـــــ «ENRON» كان مستوى حدّتها 4 وتطلّب «التطبيع» 21 شهراً. أمّا الأزمة الحاليّة المتعلّقة بالرهون العقاريّة وفقدان السيولة فمستوى حدّتها يبلغ 9.2 بينما العودة إلى الحالي الطبيعي سيتطلّب، حسب التوقّعات، عامين ونصف العام.