تواجه رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، انتقادات، اليوم، لتجاوزها البرلمان من أجل الانضمام إلى العدوان الذي شُنّ السبت على سوريا، مع دعوة بعض النواب لإجراء تصويت في شأن استراتيجيتها في المستقبل. ومن المقرّر أن يتم استجوابها في شأن سبب خروجها عن تقليد بالسعي للحصول على موافقة البرلمان على مثل هذا القرار، الذي برّرته حكومتها بأنه نجم عن الحاجة للتحرك بسرعة رداً على الهجوم الكيماوي المفترض في مدينة دوما السورية. المصادر تشير إلى أن ماي ستكرّر اليوم ما أعلنته يوم السبت، بأن بريطانيا واثقة من تقييمها بأن تكون الحكومة السورية مسؤولة عن الهجوم، وأنه لم يكن بوسعها الانتظار‭ ‬«لتخفيف المعاناة الإنسانية الناجمة عن هجمات الأسلحة الكيماوية». وعلى رغم أن معظم الانتقادات خلال جلسة اليوم ستأتي على الأرجح من نواب المعارضة، يتعيّن على ماي أن تبذل جهداً كبيراً من أجل الدفاع عن سرعتها في التحرك أمام أعضاء حزب المحافظين، الذين كانوا يريدون أيضاً مشاورة البرلمان قبل اتخاذ قرار المشاركة في الضربات.

عمل «مشكوك فيه»
في أغلب الأحيان، عندما تقرر الحكومة البريطانية القيام بعمل عسكري، تقدم المعارضة دعمها الكامل، إلا أن هذا التوجه لم يعد سائداً في السنوات الأخيرة، علماً أنّ النواب البريطانيين رفضوا القيام بعمل عسكري ضد دمشق عام 2013. صحيح أن بعض مؤيدي تيريزا ماي، أكدوا «شرعية» قرارها، حيث صرحت زعيمة «الحزب الديموقراطي الوحدوي»، أرلين فوستر، أنها تحدثت مع ماي، وأن الضربات كانت محدودة وغير مفرطة ومبررة، كما أكد نايجل دودس، زعيم الحزب، أن ماي لديها السلطة الكاملة لشن تلك الضربات. إلا أن رئيسة الوزراء حظيت بمعارضة شديدة، بدأت مع تشكيك زعيم حزب العمال البريطاني، جيريمي كوربن، بالأساس القانوني الذي استندت إليه ماي في قرارها. وكما كوربن، شكّكت رئيسة وزراء اسكتلندا وزعيمة «الحزب القومي الإسكتلندي» اليساري، نيكولا ستورغن، في قدرة الضربات على وقف استخدام تلك الأسلحة أو المساهمة في إنهاء الحرب السورية.
وفيما كانت ماي توضح الأسباب التي دفعتها إلى المشاركة في الضربات، وجه زعيم الحزب الليبرالي الديموقراطي البريطاني، فنس كيبل، اتهاماً لماي بـ«السير في ركب الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) الغريب الأطوار»، قائلاً إن ذلك «يظهر حكومة ضعيفة تضع المنفعة السياسية قبل الديموقراطية، ما يقوض مكانة بريطانيا في العالم».
أبرز ما أجابت به ماي خلال استجوابها في البرلمان:
الضربات الجوية البريطانية ضد سوريا، كانت من أجل المصلحة الوطنية للبلاد وليست نتيجة ضغوط أميركية
لم نفعل هذا لأن ترامب طلب منا ذلك... فعلناه لاعتقادنا أنه العمل الصائب، ولسنا وحدنا، إذ ثمّة تأييد دولي على نطاق واسع للإجراء الذي اتّخذناه
يجب ألا يشكّ أحد في عزمنا على رفض أي وضعٍ يصبح فيه استخدام الأسلحة الكيمائية أمراً طبيعياً

كوربين لـ«بي بي سي»: الأساس القانوني للضربات البريطانية قابل للنقاش (جيف أوفيرز)

تحليلات «ما وراء الضربة»
في غضون ذلك، استمرت الصحافة البريطانية في تركيزها على تحليل ما وراء الضربات العسكرية الأخيرة، ومن أبرز العناوين التي وردت صباح اليوم ما نشرته صحيفة «ذي تايمز» في تقرير بعنوان «العمليات العسكرية كانت فرنسية، والمعلومات الاستخباراتية كانت بريطانية».
التقرير يشير إلى أن الاستقطاعات التي قامت بها بريطانيا خلال السنوات الأخيرة على موازنة الجيش، جعلت مشاركتها في العمليات العسكرية الأخيرة في الصف الثاني، إذ لم توفّر أي بوارج أو حاملات طائرات بينما كان للجيش الفرنسي اليد الطولى في تنفيذ الشقّ العسكري من الضربات.
أما صحيفة «ذي غارديان»، فنشرت مقالاً لجيريمي كوربن، انتقد فيه الغارات العسكرية وصبّ غضبه على حكومة تيريزا ماي، مؤكداً أنّ الشعب يريد من حكومته مزيداً من التقيّد بالقانون الدولي والابتعاد عن التهوّر والمغامرات العسكرية.
صحيفة «ذي إندبندنت»، نشرت بدورها مقالاً حول الموضوع نفسه، كتبه محرر الشؤون الدولية فيها كريس ستيفينسون، رأي فيه أن تصريحات المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، حول إمكانية فرض بلادها عقوبات على روسيا بسبب مساندة موسكو للحكومة السورية، «تكشف عن بدء التحالف الغربي في التصعيد ضدّ روسيا على الساحة الديبلوماسية». وفي ما يتعلق بمشروع القرار الذي تقدم به ثلاثي العدوان إلى مجلس الأمن الدولي، قال ستيفينسون إن «مشروع القرار يأتي ضمن سياسة أوسع تهدف إلى إجبار الأسد على التخلي عن أسلحته الكيماوية في شكلٍ كامل، والتي تقول واشنطن إنه الأمر الذي فشلت فيه في شكلٍ متكرر، على رغم أنها ضمنته وتعهدت بتنفيذه».
وفي هذا الإطار، عرج الكاتب على تصريحات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الأخيرة التي قال فيها: «إن مزيداً من الغارات على سوريا ستؤدي إلى فوضى على الساحة الدولية»، موضحاً أنها جاءت بعد محادثة هاتفية بين بوتين ونظيره الإيراني حسن روحاني، تبعها بيان من الكرملين يؤكّد اتفاقهما على أن الغارات الغربية الأخيرة «دمرت أي فرصة لوجود حل ديبلوماسي في سوريا».

استطلاع
تشير استطلاعات رأي إلى أن غالبية البريطانيين لا يزالون يشعرون بالفزع من الصراع في العراق، وأنهم لا يدعمون الإجراء العسكري في سوريا. وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة «سيرفيشن» بعد الضربات على سوريا، أن 40 في المئة من 2060 شخصاً شملهم الاستطلاع عارضوا العملية، في حين عبّر نحو 36 في المئة منهم عن تأييدهم لها.