الأمر نفسه كان قد أكده وزير الاقتصاد نهاد زيبكجي، في مؤتمر سابق نهاية الشهر الماضي، حينما قال إن قرارات اتخذتها الولايات المتحدة بشأن هذه القضية «ليست ملزمة لنا»، مضيفاً: «تركيا لن تلتزم إلّا بقرار للأمم المتحدة في هذا الاتجاه». وآنذاك، كانت إدارة دونالد ترامب قد أعلنت أنها ستفرض عقوبات على جميع مستوردي النفط الإيراني بحلول الرابع من تشرين الثاني المقبل.
نصف واردات النفط الخام منذ بداية العام إلى تركيا جاءت من إيران
والمشكلة في هذا الإطار أن إيران لا تزال ــ حتى هذه اللحظة ــ أكبر مصدر لواردات النفط الخام إلى تركيا، إذ تشكل هذه الصادرات نحو نصف ما استوردته أنقرة من خارج البلاد في الربع الأول من هذا العام، وفقاً لأرقام رسمية. وكانت تركيا قد التفّت على عقوبات أميركية ضد إيران في الماضي، لذلك تواجه معاملاتها المصرفية والتجارية تمحيصاً أكثر من السابق، منذ كشفت وزارة الخزانة الأميركية عن «خطة تركية ــ إيرانية شاملة لخرق العقوبات» نتج عنها اعتقال تاجر الذهب الإيراني التركي رضا ضراب الذي تحوّل من متهم إلى شاهد ادّعاء ضد نائب رئيس بنك «خلق» التركي الحكومي، محمد هاكان أتيلا، وذلك بعد توصله إلى صفقة مع المدعي العام الأميركي يخفف الأخير بموجبها التهم الموجهة إليه.
والعملية التي كان يديرها ضراب عبر «خلق»، بمساعدة مسؤولين أتراك، كانت تهدف إلى الحصول على الأموال الناتجة عن مبيعات النفط والغاز الإيرانيين، عبر شراء كميات هائلة من الذهب وشحنها إلى الجمهورية الإسلامية، مقابل شحن كميات كبيرة من الدولارات الأميركية التي تم استثمارها في شركات ومؤسسات إيرانية إلى تركيا. والآن تنتظر أنقرة مفاجأة «الخزانة الأميركية» حول حجم الغرامة التي من المرجح أن تفرض على «خلق» التابع للدولة، ومن المرجح أن تقدر بمليارات الدولارات. لذلك، سيحدد حجمها التأثيرات في القطاع المصرفي التركي، في الوقت الذي تكافح فيه الشركات المحلية الكبيرة من أجل سداد قروض الشركات الأجنبية.
ومن المفارقات أن الخلاف الذي يلوح في الأفق حول العقوبات يتزامن مع جهد منسّق من إدارة دونالد ترامب لإصلاح العلاقات مع تركيا، التي يُنظر إلى دعمها على أنه حاسم في سياستها الخاصة في مواجهة إيران. فالرئيس رجب طيب إردوغان، الذي أعيد انتخابه لولاية أخرى مدتها خمس سنوات بسلطات موسعة (كان قد تلقّى تهنئة سريعة من نظيره الإيراني حسن روحاني)، حريص جداً على إعادة العلاقات مع واشنطن، لكن بشروط محسنة عن قبل، تشمل «وقف الشراكة المستمرة للبنتاغون مع المسلحين الأكراد السوريين في شمال سوريا، وممارسة المزيد من الضغوط على رجل الدين التركي فتح الله غولن الذي يقيم في بنسلفانيا ويُتهم بصورة أساسية بالتدبير لإطاحة إردوغان في تموز 2016.