يشارف النزاع على وضع بحر قزوين على الانتهاء، مع توقيع مسؤولي الدول الخمس المطلّة عليه، اليوم، اتفاقاً تاريخياً، حدّد الوضع القانوني للبحر الغني بالموارد، بناءً على معاهدة تمنحه «وضعاً قانونياً خاصاً». ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي، شكّلت مسألة بحر قزوين موضع نزاع بين الدول الخمس المطلّة عليه، روسيا وإيران وكازاخستان وأذربيجان وتركمانستان، إذ إن الوضع القانوني للمسطّح المائي المُغلق بقي غامضاً لمدة 22 عاماً، وكذلك ما يترتب على تحديد وضعه القانوني (ما إذا كان بحر أو بحيرة) من توزيع لثرواته من الغاز والنفط والكافيار. سبق قمّة اليوم خمسُ قمم مماثلة منذ عام 2002، وأكثر من 50 اجتماعاً على مستويات دبلوماسية أقلّ، منذ تمخّض تفكك الاتحاد السوفياتي عن أربع دول جديدة على ضفاف قزوين، ما يجعل مسألة بحر قزوين من أكثر النزاعات الدولية تعقيداً.
لكن اتفاق اليوم التاريخي منح أملاً بتخفيف التوتر الإقليمي وإقامة مشاريع نفط وغاز مربحة، وهو اتفاق على مستوى عالٍ حضر توقيعه في ميناء أكتاو في كازاخستان قادة الدول الخمس ووصفه رئيس كازاخستان، نور سلطان نزارباييف، قبيل التوقيع بأنه «حدث تاريخي». تابع نزارباييف قائلاً إن «بإمكاننا الإقرار بأن التوافق على وضع البحر كان أمراً صعب المنال واستغرق وقتاً، إذ دامت المحادثات لأكثر من 20 عاماً، واحتاجت الكثير من الجهود المشتركة من قبل الأطراف» المعنية. من جهته، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي اعتبرت بلاده القوة الرئيسية خلف الاتفاق إن هذه المعاهدة لها «أهمية تاريخية»، داعياً إلى تعزيز التعاون العسكري بين الدول المطلة على بحر قزوين.

ماذا في المعاهدة؟
لم تبرز تفاصيل كثيرة عن المعاهدة الموقعة، لكن اتضح أن الاتفاق يضع تسوية لخلاف طويل الأمد بشأن ما إذا كان قزوين، المساحة المائية المغلقة الأكبر في العالم، بحراً أو بحيرة، ما يعني أنه يخضع لقوانين دولية مختلفة، فيما يبدو أن هناك نقاطاً أخرى لم تحسم نهائياً، منها ترسيم الحدود.
وفق نائب وزير الخارجية الروسي، غريغوري كاراسين، لصحيفة «كومرسانت»، في وقت سابق هذا الأسبوع، فإنه فيما يشير الاتفاق إلى قزوين على أنه بحر، تمنحه بنود المعاهدة «وضعاً قانونياً خاصاً»، لا كبحر ولا كبحيرة. كذلك، أفاد الكرملين بأن المعاهدة تتيح المشاركة في معظم البحر، لكنها تقسّم قاعه وموارده الجوفية.
ويبدو واضحاً أيضاً أن هناك بنداً متعلقاً «يمنع الدول غير المطلة على قزوين من نشر قوات عسكرية في البحر»، إذ أشار إليه الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في معرض حديثه عن المعاهدة. مشيداً بالنص الذي يمنع نشر قوات عسكرية في البحر من دول غير مطلة عليه، رأى روحاني أن «بحر قزوين ملك فقط للدول المطلة عليه».
من جهةٍ ثانية، قال روحاني إن المعاهدة «وثيقة أساسية»، لكنه أشار إلى أنها لا تضع حداً لجميع الخلافات المرتبطة بالبحر. وأوضح أن «لدينا اليوم إطار عمل متعلق بالأنشطة في بحر قزوين، وهو ما لم يكن الحال عليه في السابق»، لكن «ترسيم الحدود في بحر قزوين سيتطلب اتفاقات إضافية بين الدول المتشاطئة».
وهذا ما أكّده أيضاً المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، اليوم بقوله إن «معاهدة النظام القانوني لبحر قزوين لا تضم قضايا مثل تقسيم البحر وتحديد خطوط البداية وتقسيم قاع البحر وتحت قاعه».
تابع قائلاً إن التوقيع على هذه المعاهدة التي تعد «وثيقة استراتيجية» للتعاون بين الدول المطلة على بحر قزوين، من شأنه أن يحوّل المنطقة إلى «قطب آخر للتعاون الإقليمي، بما يخدم السلام والاستقرار والأمن وتقدُّم الدول الأعضاء».

مكاسب متفاوتة
وفق رئيس المركز الفكري «كاسبيان باريل»، إلهام شعبان، فإن هذا الاتفاق «سيسمح بتوسيع إمكانيات التعاون» بين الدول الخمس المطلة على بحر قزوين، لكن بعض البلدان قد تخرج منه رابحة أكثر من أخرى.
بالنسبة إلى تركمانستان، إحدى أكثر الدول انغلاقاً في العالم، فقد أعلنت 12 آب/أغسطس «يوماً لبحر قزوين» تكريماً للاتفاق، معبّرةً بذلك عن حماستها، إذ يأمل هذا البلد الواقع في آسيا الوسطى والغني بالمحروقات إنشاء أنابيب في أعماق بحر قزوين لنقل الغاز الذي ينتجه إلى الأسواق الأوروبية عبر أذربيجان.
هذا المشروع الذي تقدر كلفته بخمسة مليارات دولار، واجه في البداية معارضة دول أخرى في المنطقة، ويمكن أن تعترض عليه موسكو وطهران لأسباب تتعلق بالبيئة.
بصفتهما القوتين الكبريين اللتين كانتا تهيمنان في الماضي على بحر قزوين، قد تكون روسيا وإيران أكبر الخاسرين في هذا الاتفاق التاريخي. وفق المحلل في «أتلانتيك كاونسل»، جون روبرتس، اضطرت روسيا إلى تقديم تنازلات في بعض القضايا، «لكنها كسبت نقاطاً لأنها أخرجت وضعاً من مأزق وصل إليه».
كذلك، من المفترض أن يعزز الاتفاق الهيمنة العسكرية الروسية في المنطقة عبر منع أي دول أخرى من إقامة قواعد عسكرية في بحر قزوين.
أما إيران، التي نالت أصغر حصة من البحر بموجب بنود الاتفاق، فهي الخاسر الوحيد المحتمل، لكن يمكن أن تستفيد من الوضوح الذي يجلبه النص لإطلاق مشاريع مشتركة مع أذربيجان.
بمعزل عن الاعتبارات الاقتصادية والعسكرية، يثير الاتفاق الأمل في حماية التنوع البيئي للمنطقة، إذ رأى روبرتس أن كميات سمك الحفش الذي تلقى بيوضه تقديراً كبيراً في العالم ككافيار، يمكن أن تتضاعف «بفضل نظام حصص واضح ومشترك في مياه قزوين».


ثروات قزوين
تضمّ مياه قزوين المالحة نحو خمسين مليار برميل من النفط و300 ألف مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي. يحوي أكبر الحقول فيه، وهو كاشاغان في كازاخستان 13 مليار برميل من النفط.
يحوي أيضاً أكبر تجمع في العالم لسمك الحفش الكبير الذي تستهلك بيوضه بشكل الكافيار، وهي من أغلى أنواع الكافيار الآتي من بيوض نوع نادر من سمك الحفش الأبيض الموجود في جنوب هذا البحر. يمكن أن يصل سعر كيلوغرام واحد من الكافيار من إيران إلى 25 ألف دولار، علماً بأن ناشطي الدفاع عن البيئة يدينون الصيد المكثف لهذه الأسماك.