السعودية أول وجهة يختارها رئيس الوزراء الباكستاني الجديد عمران خان، بعد توليه المنصب. لا شيء مفاجئاً، لا من جهة تأكيد الأخير سابقاً أن وجهته الأولى بعد فوزه ستشمل السعودية وإيران، ولا في التقليد المتعارف عليه في إسلام آباد، حيث يزور رئيس الوزراء بداية ولايته الحليف السعودي، ويفتتح عمله بتأدية العمرة. ربما كانت الأمور تبدو بهذه البساطة لو غاب عن المشهد أمران: الأول شخصية خان الجدلية وتصريحاته السابقة حول السعودية، والثاني تزامن الزيارة مع إطلاق السلطات الباكستانية لرئيس الوزراء الأسبق نواز شريف.وصل خان إلى مدينة جدة حيث التقى الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان، مصحوباً بتهليل إعلامي وتذكير بـ«متانة» العلاقات بين البلدين. الإعلام السعودي استجمع ما بجعبته ليوحي عبر التصريحات بأن شيئاً لم يتغيّر، وأن مساعي الرياض لاحتواء الفريق الحاكم الجديد في إسلام آباد في طور النجاح. لكن الحاجة الرئيسية إلى إحاطة الزيارة، رغم كونها تقليدية، بهالة أكبر من حجمها الطبيعي يؤكد وجود «خلل» طرأ على العلاقات التاريخية بين البلدين. فعمران خان، الذي افتتح ولايته بتنفيذ ما وعد به عن الانسحاب من حرب اليمن، وإقامة علاقات متوازنة مع الدول الإسلامية بعيداً من الانحياز في الصراعات داخل العالم الإسلامي، جوبه بحملة سعودية غاضبة، جراء شعور النظام السعودي بأن استثماره في باكستان، على مدى عقود راكمت نفوذاً استثنائياً لا يوجد له مشابه حتى في الجوار العربي، بات أمام خطر حقيقي. لم يعبَّر عن المخاوف السعودية رسمياً، لكن الإعلام السعودي تولى مبكراً مهمة تظهير قلق النظام من صعود الرجل، حدّ خروج صحيفة «عكاظ» بعنوان يصفه بـ«مندوب قُم في إسلام آباد» اختارته لتقرير يهاجم مواقف خان في البرلمان ضد حرب اليمن.
بديهي أن تبقى الرياض متمسكة بنفوذها في باكستان، وتجنب ضياع استثماراتها في البلد النووي، والحليف الأقرب تاريخياً ظل ينظر إليه في المملكة كصندوق جوائز رابحة، يمكن اللجوء إليه ساعة الحاجة. لكن باكستان تختلف اليوم كثيراً عمّا كانت عليه في السنوات الماضية. يشهد البلد الآسيوي انزياحاً استراتيجياً إلى نقطة الجذب الصينية الصاعدة، فيفتح عقدته الجغرافية بترحاب بوجه مشروع «خط الحرير» العملاق. يستتبع ذلك، حكماً، أخذ مسافة من الحليف الأميركي، وهو خيار يحتمه إصرار واشنطن على ترسيخ الهند، خصم باكستان التقليدي، كحليف أول في المنطقة. المفاجآت السياسية في باكستان، بدءاً من ضعف نواز شريف، الذي بلغ بالعلاقات مع النظام السعودي الذروة، درجة ما يشاع عن تزويجه ابنته لأحد أحفاد الملك فهد، وصولاً إلى اليوم مع خروج «حزب الرابطة الإسلامية» من الحكم في الانتخابات الأخيرة، وفوز «حركة الإنصاف» الناشئة بزعامة خان.
هاجم الإعلام السعودي خان لمواقفه من حرب اليمن


لا تعني الأجواء الجديدة في إسلام آباد، منذ وصول عمران خان، أن باكستان ستبتعد عن الرياض إلى موقع الخصومة والعداء. لكن بالحد الأدنى بات الموقع الباكستاني في المنظار السعودي في انعطافة إلى موقع آخر يحتفظ فيه البلدان بعلاقات طبيعية لا ترقى إلى إمكانية الاعتماد على إسلام آباد كحليف أمني وعسكري، وهذا بحد ذاته خسارة لا يستهان بها للسعوديين. أمس، أكد عمران خان هذا التوجه، من خلال وفده المرافق له في الزيارة، حيث غاب عنها وزير الدفاع (رافق خان: وزير الخارجية ووزير المالية، ومستشار رئيس الوزراء لشؤون التجارة) وبدا الاهتمام منصباً على الجانب الاقتصادي ومطالب باكستان المزمنة بشأن حاجتها إلى الاقتراض، إضافة إلى قضية العمالة الباكستانية داخل السعودية.
على الرغم من كل ما تقدم، يبقى الإفراج عن نواز شريف، تزامناً مع الزيارة «لغزاً» يصعب وضعه في إطار «الصدفة». لغز يعيد إلى الأذهان تدخّل الملك الراحل سعود بن عبد العزيز لدى جنرالات باكستان في 1953 للإفراج عن زعيم «الجماعة الإسلامية» أبي الأعلى المودودي، ومن ثم احتضان نواز شريف نفسه في منفاه السعودي إثر انقلاب الجيش عليه عام 1999، وإعادته إلى البلاد في 2007 ومن ثم إلى السلطة من جديد. وأمس، أمرت محكمة إسلام آباد العليا بإطلاق سراح شريف وابنته مريم وصهره محمد صفدر، وعلقت أحكام السجن الصادرة بحقهم على خلفية قضايا فساد، بكفالة قدرها 4500 دولار لكل منهم. وإن كانت فصول محاكمة شريف لم تنته بعد، إلا أن توقيت الإفراج بكفالة عن الرجل، يضع علامات استفهام كثيرة، خصوصاً إذا ما عاد شريف إلى المشهد السياسي، وهو حليف خان السابق، وقد علّق على نتائج الانتخابات بأنها «سرقت» لمصلحة خان.
بالعودة إلى زيارة عمران خان السعودية، فإضافة إلى أداء الأخير للعمرة في الأراضي المقدسة، قبل لقائه كلاً من الملك وولي عهده، لم تسجل الزيارة تطوراً لافتاً، وبقي الأبرز فيها تصريحات خان الإعلامية على هامش الزيارة. إذ أكد أفكاره السابقة حول نبذ «أي صراعات في العالم الإسلامي»، بل والاستعداد للعب دور لوقف حرب اليمن. وأياً تكن أفكار خان المسبقة تجاه تموضع بلاده، فإن الأيام المقبلة كفيلة بتأكيد جدية تمسكه بسياسة الحياد والابتعاد عن الصراعات، خصوصاً في ما يتعلق بحرب اليمن، والعلاقات مع إيران والصين والولايات المتحدة. إذ تبقى خطوة الإفراج عن نواز شريف مؤشراً على استعداد خان للتنقّل في المواقف حسب ما تفرضه المصالح، ولا سيما الاقتصادية، الضاغطة بقوة هذه الأيام على الأولويات الباكستانية.



مبادرة لإنهاء حرب اليمن
أبدى رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، استعداده لأن تلعب بلاده «دوراً إيجابياً لإنهاء أزمة اليمن» إذا ما طلب منها ذلك. وقال، أمس، في مقابلة مع «الإخبارية» السعودية الرسمية: «ما نريد أن نفعله بجدية هو ضمان السلام في الشرق الأوسط، لأنّ من المحبط أن تجد الصراعات في الدول الإسلامية». وأضاف: «سنسعى إلى أن يحل السلام بالشرق الأوسط، ونرغب أن نلعب دوراً في تقريب وجهات النظر بين دول العالم الإسلامي». وأوضح أنه لم يكن ينوي القيام بجولات خارجية في الوقت الحالي، إذ كان من المقرر عدم خروجه من باكستان لمدة ثلاثة أشهر بهدف «مواجهة مشاكل اقتصادية وسياسية وترتيب البيت الداخلي»، لكنه عاد وقام بالزيارة بعد تلقيه دعوة من الرياض. وتطرق إلى ملف حرب بلاده على الإرهاب، معتبراً أن «الحلول العسكرية غير مرغوب فيها والحلول السلمية والسياسية هي الأفضل».