ومع ذلك كلّه، فإن النتائج غير الرسمية للـ11 منصباً حكومياً وإقليمياً وبلدياً تشير إلى تشظٍّ في القوة الانتخابية للأحزاب البورجوازية. تشظٍّ يذكّر بمرحلة «تبديل القمصان» التي سادت البلاد في التسعينيات وبدايات الألفية الجديدة، وعكست تفتتاً وغياباً للاتجاه. وبدا «الحزب المسيحي الاجتماعي»، الذي كان من المفترض أن يقود اليمين في هذه الدورة، مجرّد عملاق بأرجل من فخار. إذ خسر الحزب بعضاً من معاقله الأثيرة، وعجز عن استعادة أخرى مفصلية، فيما كان أغلب الفائزين باسمه مرشحين محليين في الأقاليم غير مؤدلجين، وجاهزين دائماً لتبديل المواقف بحسب تقلبات الأوضاع. وبينما قدّم مؤيدو كوريّا أداءً قوياً في العاصمة ومدن كبرى، ونجح كثيرون من مخضرميه في الاحتفاظ بمناصبهم، فازت بييرنا كوريّا، شقيقة الرئيس السابق، بمنصب مهم في إقليم جواياس المهم، بعد منافسة حادة مع مرشحي «المسيحي الاجتماعي».
الخاسر الأكبر في هذه الجولة كان حزب الرئيس مورينو، «التحالف الوطني»
«حزب الوحدة الشعبية» (أقصى اليسار ــ الذي يتمتع بعداء كلا الرئيسين الحالي والسابق) حقق نتائج لافتة أفضل من الدورة الأخيرة، وسيكون له ممثلون في أكثر من 80 كانتوناً عبر البلاد، مع عدد مريح من الأصوات، فوق الحد الأدنى الذي يسمح به القانون الإكوادوري لضمان استمراره في السجل الانتخابي مستقبلاً. وقد فازت أحزاب أخرى صغيرة تمثل مصالح وجمعيات مختلفة في مناطق محددة وبعض البلدات المتوسطة أو الصغيرة، لكنها لا تشكّل أي وزن سياسي مهم في الصورة الكلية، ويُعتقد أن عدداً منها سيختفي بالكلية بعد انفضاض الموسم الانتخابي.
الخاسر الأكبر في هذه الجولة كان حزب الرئيس مورينو، «التحالف الوطني»، الذي قدّم أداءً مخجلاً على مستوى البلاد، بعدما كان قد نجح قبل عامين في إيصال زعيمه إلى سدّة الحكم. وظهر كما لو أنه جبل من سكّر شرع بالذوبان فور تعرضه للماء. ولم يساعد تورّط الرئيس في فضيحة فساد كبرى (أقيلت فيها نائبته وسيُستدعى فيها شخصياً للشهادة كما كبار أتباعه بداية من نيسان/ أبريل المقبل) على تهدئة خواطر الإكوادوريين الذين، منذ توليه السلطة في نيسان/ أبريل 2017، يشهدون رأي العين تنفيذه انقلاباً كاملاً على سياسات رفيقه السابق الرئيس كوريّا، رغم تعهده سابقاً بالاستمرار في تلك السياسات. انقلاب استهدف تحويل توجهات البلاد الكلية وتموضعها السياسي الإقليمي نحو اليمين النيوليبرالي، من خلال تنفيذ مجموعة من الإجراءات الجذرية الطابع لاستئصال المكتسبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كان قد حققها الشعب الإكوادوري في عهد كوريّا (2007 ــ 2017) أو ما سُمّي ثورة «تحالف المواطنين» الشعبية، سواء في التعليم أو الصحة أو التقديمات الاجتماعية للفئات المُهمّشة تاريخياً، أو لناحية بناء سيادة الإكوادور واستقلالها وتحالفاتها خارج منظومة الهيمنة الأميركية، وأقرب إلى دول الجنوب كالصين وكوبا وفنزويلا وبوليفيا. وقد كان آخر ما أثار الاستهجان، إعلان عودة قريبة لصندوق النقد الدولي، من خلال توقيع اتفاق لإقراض الإكوادور 4.2 مليارات دولار، كما إعلان الاتفاق مع واشنطن على إعادة تمركز القوات الأميركية في قاعدة عسكرية مهمة في البلاد، بعدما كان كوريّا قد طرد كلتا الجهتين في عهده. كذلك حاول مؤيدوه في «المجلس الانتخابي الوطني» إجراء تعديلات غير دستورية في اللحظة الأخيرة على نظام عدّ الأصوات دون طائل.
هذه الجولة الانتخابية، رغم أنها تركزت أساساً على مناصب محلية وبلديات، فإنها اكتسبت أبعاداً سياسية استثنائية، وتترقب نتائجها عواصم كثيرة ليس أقلها واشنطن التي يبدو ضعف رجلها مورينو بمثابة صفعة في وقت سيّئ للغاية، بينما هي تحاول بناء تحالف عريض ضد النظام البوليفاري في فنزويلا، وستسبب حتماً إبطاء مسيرة النكوص إلى النيوليبرالية. والأهم من ذلك كلّه، أنها نذير بسقوط محتّم لمشروع اليمين في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2021، سواء أكان تجديداً للرئيس مورينو، أم تقديماً لمرشحين يمينيين غيره. وهو ما سيكون كارثة قد لا يسهل على الطبقة البرجوازية الحاكمة في البلاد التعافي منها قبل عقد «ضائع» آخر، أسوة بفترة حكم الرئيس كوريّا.
إقليمياً، فإن معطيات انتخابات الإكوادور المحلية ستُدرس جيّداً في أروقة الإدارة الأميركية وعبر منظومة دول أميركا اللاتينية الخاضعة لهيمنة واشنطن. إذ إن هذه السنة تحديداً ستشهد عدة انتخابات تشريعية ورئاسية في غير عاصمة في المنطقة، ومعظمها ليست مضمونة النتائج لليمين بعد الأداء الاقتصادي الهزيل، وهجمة السياسات النيوليبرالية القاسية التي نفذتها الإدارات الجديدة في تلك الدول وأعادت شعب القارة إلى أجواء ما قبل عشرين عاماً.