انعكس تجاوز طهران الحدّ المسموح به في الاتفاق النووي لمخزون اليورانيوم المنخفض التخصيب، غضباً في تل أبيب وواشنطن. وعلى الرغم من أن العقوبات الأميركية على إيران، ولا سيما على تصدير اليورانيوم، هي السبب الرئيس في التطور النووي الأخير، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، استنكر الأنباء الواردة من طهران، مُوجهاً جملة رسائل إلى القيادة الإيرانية، اللافت بينها مطالبته بأن يوقف الإيرانيون عمليات التخصيب تماماً. وحذّر ترامب إيران قائلاً: «إنهم يعرفون ماذا يفعلون، يعرفون بماذا يلعبون، وأعتقد أنهم يلعبون بالنار». وبعد تهديد البيت الأبيض رداً على الخطوة الإيرانية بأن الولايات المتحدة وحلفاءها «لن يسمحوا لإيران أبداً بتطوير سلاح نووي»، رأى الرئيس الأميركي أنه «كان من الخطأ في الاتفاق النووي السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم على أي مستوى». وتابع: «علينا إعادة فرض القواعد القديمة لمنع الانتشار النووي، التي تمنع إيران من أي تخصيب»، مضيفاً: «يجب على النظام (الإيراني) أن يضع حداً لطموحاته النووية وسلوكه الضار».
ظريف: سنواصل التزام الاتفاق «وفق أسلوب الدول الأوروبية»

وناقش ترامب، في اتصال مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، التطور النووي في الملف الإيراني، فيما تشاركت الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق «القلق» من مضيّ طهران في خطواتها نحو خرق بنود الاتفاق والاقتراب من خطوة زيادة التخصيب. ودعا ماكرون، طهران، إلى الامتناع عن أي تدبير إضافي من شأنه أن يمسّ بالتزاماتها النووية، و«العودة من دون تأخير» عن تجاوز مخزونها من اليورانيوم، كاشفاً في الوقت نفسه أنه سيواصل في الأيام المقبلة الإجراءات التي اتخذها «لكي تتقيّد إيران بنحو كامل بالتزاماتها، وتواصل الاستفادة من المنافع الاقتصادية للاتفاق». إشارة ماكرون «الإيجابية» إلى إجراءات سيتخذها لتواصل طهران الاستفادة من الاتفاق، أتت بالتوازي مع إشارة أوروبية أخرى، تمثلت باستبعاد مصدر دبلوماسي أوروبي اللجوء في الوقت الحالي إلى آلية فضّ النزاعات المنصوص عليها في اتفاقية فيينا، التي يمكن أن تفضي إلى إعادة العقوبات عبر مجلس الأمن. ونقلت وكالة «رويترز» عن مصدر آخر قوله إن الترويكا الأوروبية (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) ستركز على «إعادة طهران إلى التزام الاتفاق، وتريد كسب المزيد من الوقت للحوار». لكن، من منظور طهران، لم يعد ثمة مجال واسع لمثل حوار كهذا، إن لم يقدم الأوروبيون على خطوة عملية ملموسة لا تقف عند تفعيل آلية التبادل المالي (إنستكس) بل تتعداه إلى شراء النفط أو فتح خط ائتماني بالحد الأدنى، قبل موعد 7 أيار الجاري، وفق ما يردد مختلف المسؤولين الإيرانيين، وهو ما يجعل مراهنة ماكرون وشركائه الأوروبيين بلا فرص جدية، ولا سيما أن الضغوط الإيرانية عبر هذا الإجراءات، هدفها بالأساس إيقاف الأوروبيين عن لعبة شراء الوقت. وفي بيان مشترك، عبّرت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي ووزراء خارجية بريطانيا وألمانيا وفرنسا عن «القلق البالغ» من إعلان طهران الذي «يثير شكوكاً في ما يتعلق بوسيلة أساسية لمنع الانتشار النووي الأساسية»، داعين إيران إلى «التراجع عن هذه الخطوة والامتناع عن أي إجراءات أخرى تقوض الاتفاق النووي». وفيما عبّرت الصين عن أسفها للإجراءات الإيرانية، عزت ما يجري إلى الضغوط التي تمارسها واشنطن ضد طهران كمصدر رئيس للتوترات.
حيال التحرك الأوروبي والمواقف الأميركية، رأى وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الذي عاد وأكد أن إجراءات بلاده لا تتعارض مع الاتفاق النووي، أن التزام بلاده الاتفاق سيتواصل «وفق أسلوب الدول الأوروبية»، في إشارة إلى عدم وفاء الدول الأوروبية بتعهداتها، وتأكيد للإجراءات النووية. وسخر من اتهام البيت الأبيض لبلاده بانتهاك الاتفاق منذ وقت طويل وقبل الإجراءات الأخيرة، معلّقاً في تغريدة: «حقاً؟»، وهو اتهام يتناقض مع إفادات أميركية سابقة، بينها شهادة مديرة الـ«سي آي إيه» جينا هاسبل، في كانون الثاني. لكن أهمية الاتهام الأميركي تكمن في كونه يعضد مزاعم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن وجود «أدلة إضافية على خداع» إيران للمجتمع الدولي ينوي الكشف عنها، كما قال أول من أمس. واستغل نتنياهو، أمس، التطورات ليحتفل بفريق «الموساد» الذي يُزعم أنه استولى على وثائق في طهران تتعلق بالملف النووي كان قد عرضها في نيسان 2018، مانحاً الفريق «جائزة الأمن القومي الإسرائيلي». وكشف أنه ناقش تلك العملية مع ترامب قبل تنفيذها عندما التقاه في «منتدى دافوس» في كانون الثاني 2018. التصعيد الكلامي الإسرائيلي، بعد طول صمت خلال التوتر الإيراني الأميركي، لم يقف عند هذا الحد، بل تعدّاه إلى تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، حول استعداد كيانه للتعامل في سيناريو عسكري مع إيران، إلا أنه رأى أن هناك «فرصة» من خلال «الضغوط الاقتصادية الشديدة لمنع الحرب وتحقيق الأهداف دون حرب».