لا تزال الاستراتيجية الأميركية حيال آسيا، وعمادها احتواء نفوذ الصين، مُرتبكة. وفيما تؤكّد واشنطن أنها لا تزال «منخرطة بشدّة» في هذه المنطقة، فإن قرار دونالد ترامب عدم حضور قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا «آسيان» في بانكوك هذا العام، قُرئ على أنه بداية «تخلٍّ» أميركي عن المنطقة. وخفضت واشنطن مستوى تمثيلها في «آسيان» التي اختتمت أعمالها في بانكوك أمس، ليقتصر على وزير التجارة ويلبور روس، ومستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، بينما حضر قادة كل من الهند وكوريا الجنوبية واليابان. غياب ترامب ونائبه مايك بنس برّره مسؤول رفيع المستوى في البيت الأبيض بالقول إنهما مشغولان بالانتخابات لاختيار حكّام ولايات، نافياً أن تكون بلاده تجاهلت دورة هذا العام. وللتعويض عن غيابه، بعث ترامب برسالة إلى قادة «آسيان» قرأها أوبراين، دعاهم فيها إلى «الانضمام إليّ في الولايات المتحدة لحضور قمّة خاصة» في الأشهر الثلاثة الأولى من العام المقبل.وبعدما شدّد وزير الخارجية مايك بومبيو، لدى مشاركته في اجتماعات وزارية لرابطة «آسيان»، في آب/ أغسطس الماضي، على أن إدارة ترامب تريد أن تكون «أكثر حضوراً» من إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، لمواجهة نفوذ الصين في آسيا، أكّد روس خلال منتدى لقادة المال والأعمال عُقد على هامش القمة، أن الإدارة «منخرطة بشدة وملتزمة كلياً حيال هذه المنطقة»، كما أنها تواصل «التفاوض على اتفاقات تجارية مع دولها». غير أن ترامب نفسه انتقد، مراراً، الدول الآسيوية جرّاء الفائض الكبير في ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة، وتعهّد بإبرام اتفاقات ثنائية في المنطقة، بدلاً من تلك المتعدّدة الأطراف. وعليه، وقَّع اتفاقاً للتجارة الحرة مع اليابان في وقت سابق هذا العام، كما أعاد التفاوض على شروط اتفاق تجاري مع كوريا الجنوبية.
بُرّر غياب ترامب وبنس عن «آسيان» بانشغالهما في شأن انتخابيّ داخليّ


وغداة انتخاب ترامب انسحب من اتفاق «الشراكة عبر المحيط الهادئ» الذي كان من المتوقَّع أن يصبح أكبر اتفاق للتجارة الحرّة في العالم. ومن المقرّر أن يحلّ اتفاق «الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة» المدعوم صينياً محلّه بصفته الأكبر في العالم لدى التوقيع عليه العام المقبل. وهو اتفاقٌ يشمل 30% من إجمالي الناتج الداخلي العالمي، ونحو نصف سكان العالم. وبعد يومٍ كامل من المحادثات التي استمرت 11 ساعة، رفضت الهند الموافقة على مسودة الاتفاق الذي وافقت عليه الدول الأخرى كافة، في ضربة لجهود الصين خصوصاً. ويواجه رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، مخاوف من أن الشركات الصغيرة ستتضرّر بشدّة من تدفّق البضائع الصينية الرخيصة، ما سيؤدي، في رأيه، إلى «عجز تجاري لا يمكن تحمّله».
في هذا السياق، قال الدبلوماسي البارز المكلف بشؤون شرق آسيا في الخارجية الهندية، فيجاي ثاكور سينغ، «لقد أبلغنا الدول المشاركة أننا لن ننضمّ إلى اتفاق» الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، بسبب «التأثير المستقبلي لهذا الاتفاق في سكان الهند العاديين ومصادر رزقهم، بما في ذلك أفقر الفقراء». ويعتبر قرار الهند ضربة للاتفاق الذي تنضوي إليه جميع دول «آسيان» العشر، إضافة إلى الصين واليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، ونيوزيلندا، وتُستبعد منه الولايات المتحدة.
في المقابل، أبلغ نائب وزير الخارجية الصيني، لو يوتشنغ، الصحافيين، أن «الدول الـ15 المشاركة هي التي قرّرت المضيّ قدماً أولاً»، مضيفاً أنه يمكن توقيع الاتفاق العام المقبل مع الهند إذا كانت تريد الانضمام، فيما رأى رئيس الوزراء الأوسترالي، سكوت موريسون، أن «من المهمّ أن تكون الهند معنا، وهذه بالتأكيد أولويتنا». واكتسب الاتفاق الجديد زخماً جديداً في ظل استمرار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، خصوصاً مع تحذير «صندوق النقد الدولي» من أن النمو العالمي قد يتباطأ إلى أدنى معدل له في عشر سنوات بسبب الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.