تبلغ موازنة وكالة الفضاء التركية أقلّ من 800 ألف دولار سنوياً
وعمّا إذا كانت هناك موازنة كافية لمثل هذه المشاريع، يقول سنان أليش إن «الكلفة لا شكّ كبيرة. ووكالة الفضاء الآن ليست في وضع يُمكّنها من تأمين هذه الكلفة بمفردها. وعندما نبدأ بتحصيل الموارد التي تُوفّرها الشركات التابعة للدولة وتلك الخاصة، فسوف نحصل على رقم جيّد. ونحن منذ عام 2000، نقوم بأعمال منتظمة في مجال تكنولوجيا الفضاء. ونظراً إلى أن هذا غير معروف للرأي العام، فإن هناك تصوُّراً أننا سنذهب في خلال عامين إلى القمر، وهذا غير صحيح. وعلى أساس هذه التراكمات، هناك وكالة جديدة للفضاء (تأسّست عام 2018). وهذا شيء جيّد، لكن لا يمكن القول، منذ الآن، ما إذا كان عملها سيكون ناجحاً، لكن يتحتّم علينا دعمها لأنها تقوم بأعمال جيّدة». لكنه ينبّه إلى أنه يجب عدم تضخيم مسألة إرسال صاروخ إلى القمر كما إرسال رائد فضاء؛ «فحتى الآن، لا يوجد لدينا برنامج فضاء نديره بشكل منتظم. نحن نتحدّث عن برنامج تجري فيه باستمرار تجارب علمية. لذا، سيكون إرسال روّاد فضاء مسألة رمزية ليس إلّا، حيث لا يحتاج مَن سيرسَل إلى الفضاء لوقت قصير إلى تدريبات كبيرة. تكفي بعض الاختبارات الصحّية والفيزيولوجية. لكن إذا كان الكلام على برنامج فضائي طويل الأمد، فعندها يتطلّب العمل على برنامج مكثّف كما في دول أخرى، والمرور بتجارب في المياه الثقيلة التي تحاكي البنية الفضائية». ويرى المهندس الفضائي، إيغيمين إيمري، العامل في إحدى شركات الفضاء الخاصة في ألمانيا، بدوره، أن هناك مبالغة في التفاؤل في إمكانية إرسال مركبة فضائية في عام 2023؛ فهناك متطلّبات تكنولوجية كثيرة لا تمتلكها تركيا في الوقت الراهن، لكن يمكن لها أن تمتلكها، وهذا يحتاج إلى وقت. وتشير صحيفة «يني غون»، من جانبها، إلى الموازنة المحدودة لوكالة الفضاء التركية، والتي لا تتعدّى الخمسة ملايين ليرة تركية سنوياً، أي أقلّ من 800 ألف دولار، في حين أن موازنة رئاسة الشؤون الدينية تبلغ سنوياً 23 مليار ليرة تركية، أي حوالى 3 مليارات ونصف مليار دولار. وبهذه الموازنة الهزيلة لوكالة الفضاء، يمكن القيام باستعراض مسرحي فقط.
التوقيت
لا يمكن تناول هذه المسألة من جوانبها العلمية وحسب؛ فإردوغان لا يخفي الأبعاد السياسية في كلّ المشاريع الكبيرة التي يُقدِم عليها، أو على الأقلّ يربطها بأبعاد أيديولوجية، كأن يطلق على معظم المشاريع الكبرى أسماء عثمانية في إطار مشروع «العثمانية الجديدة» الذي يسعى إليه منذ عدّة سنوات. فالإعلان عن «الذهاب إلى القمر» عام 2023 جاء بعد أيام قليلة من وصول المسبار الإماراتي إلى المريخ. وهو أمر لم يثر ارتياح إردوغان في سياق تنافسه المرير مع الإمارات والسعودية ومصر على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط وشرقي المتوسط. فكان الإعلان تأكيداً لحضور تركيا السياسي قَبل العلمي.
وتأتي الخطوة، أيضاً، في مسعى إلى حرف الأنظار عن المشكلات الداخلية الاقتصادية التي تعاني منها تركيا، تماماً مثلما كانت إثارة الحديث عن إعداد دستور جديد. وفي استطلاع لآراء العديد من المواطنين قامت به وكالة «عنقاء» التركية، استهجن البعض هذه الخطوة، في وقت لا يستطيع فيه المواطن تأمين معيشته. وقال أحدهم متهكّماً: «(إننا) لا نستطيع الذهاب إلى السوبرماركت، فكيف سنذهب إلى الفضاء؟»، فيما أشار آخر إلى «(أننا) لم نستطع توزيع كمّامات للمواطنين، فكيف نذهب إلى الفضاء؟». وقال آخر: «نذهب إلى الفضاء فيما البطالة تقارب الـ 30%». كذلك، يريد إردوغان استكمال هيبته الداخلية من خلال إطلاق مشاريع ضخمة مثل قناة إسطنبول ومطار إسطنبول الجديد والجسور المعلّقة استعداداً لمعركة الرئاسة عام 2023. ويضاف إلى ما تقدّم، تعزيز هيبته الخارجية في السعي الحثيث إلى تعزيز صورة بلاده في العالم، والتي تتوِّج سلسلة من التدخُّلات العسكرية الواسعة في ليبيا وسوريا والعراق وآذربيجان وفي شرق المتوسط، وآخرها عمليّة جبال قارا في شمال العراق.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا