كان لا بدّ لـ«حرب اللقاحات» أن تجد لنفسها مكاناً ضمن الاستفزازات والمواجهات المستمرة بين الصين وجزيرة تايوان. وفي الأسابيع الماضية، وجدت الجزيرة، التي اشتهرت بـ«استجابتها المثالية» لوباء «كورونا» منذ فترات تفشّيه الأولى، نفسها في مواجهة أوّل موجة وبائية جدّية. وقد تزامنت هذه الموجة مع بطء شديد في عملية التلقيح. وعلى ما يبدو، لم يساهم العرض الصيني، الذي يقضي بتأمين اللقاحات اللازمة للجزيرة التايوانية في مواجهة هذه الموجة، إلا في زيادة حدة التوترات بين الخصمين. وفي حين يستمرّ تبادل الاتهامات بينهما، تؤكد الصين أنّ بعض سكان تايوان بدأوا، فعلياً، باللجوء إليها للحصول على اللقاحات، من دون موافقة الجزيرة.

هل عرقلت الصين حصول تايوان على اللقاحات؟

حتى الأسبوع الماضي، تلقى 0,6% فقط من سكان تايوان، البالغ عددهم 24 مليوناً، لقاحاً مضاداً لـ«كورونا»، بحسب مجلة «فورتشن» الأميركية. وتلفت الصحيفة إلى أنّ تايوان، وبالرغم من أنها قد أمّنت «على الورق» عدداً كافياً من اللقاحات لتطعيم سكانها، فإنّ جزءاً صغيراً من هذه اللقاحات متوفّر فعلياً، فيما تؤكد السلطات أنّ مخزون اللقاحات منخفض بسبب «النقص العالمي» فيها، علماً أنها طلبت حتى الآن عدداً كافياً منها، وأنّ «ملايين الجرعات في طريقها إلى تايوان».

تزامناً مع ذلك، عرضت الحكومة الصينية، عبر «مكتب شؤون تايوان» التابع لها، على الجزيرة تأمين اللقاحات اللازمة لها، لمساعدتها في السيطرة على الموجة المستجدة. يشار إلى أنّ شركة «فايزر-بيونتيك» وقعت صفقة حصرية مع شركة «فوسن» (Fosun) للمستحضرات الصيدلانية، التي تتخذ من شنغهاي مقراً لها، بهدف السماح للصين بتوزيع اللقاحات على منطقة الصين الكبرى، بما في ذلك هونغ كونغ وماكاو وتايوان، بحسب صحيفة «ذا غارديان البريطانية».

غير أنّ تايوان رفضت المبادرة الصينية تماماً، ولا تزال الرئيسة التايوانية، تساي إنغ ون، متمسكة بسياسة الجزيرة القديمة، التي تقضي بمنع استيراد اللقاحات أو أي معدات طبية من الصين. وذهب مسؤولو تايوان أبعد من ذلك، ليتهموا الصين علناً بعرقلة حصول الجزيرة على اللقاحات.

على إثره، نقلت الصحيفة البريطانية عن الرئيسة التايوانية قولها إنّ بلادها، بعد ما وقّعت اتفاقيات مع شركتي «أسترازينيكا» و«موديرنا»، كانت على وشك التوصل إلى اتفاق مع شركة «بيونتيك» الألمانية، للحصول على لقاحات «فايزر». إلا أنه «تمّ تأخير العقد، حتى الآن، بسبب التدخلات الصينية».

من جهته، أعطى وزير الصحة والرعاية الاجتماعية التايواني، تشين شيه-شونغ، تفصيلاً عمّا حصل على حدّ زعمه، قائلاً: «أعادت تايوان عقداً موقعاً إلى "بيونتيك" في كانون الثاني، تلاه مشروع بيان صحافي، وافقت عليه الشركة الألمانية. إلا أنها طلبت، بعد ساعات من ذلك، إلغاء تسمية تايوان لنفسها "بلداً" من البيان». ويضيف: «وبعد أسبوع واحد، أبلغتنا شركة "بيونتيك" أنّ هناك مشاكل متعلقة بسلسلة التوريد، وأنها تحتاج إلى بعض الوقت لإجراء تعديلات»، بحسب الصحيفة.

بالتالي، رأى مسؤولون في تايوان أنّه بدلاً من عرض المساعدة، بهدف إجبار الجزيرة على شراء اللقاحات الصينية، على الصين أن تتوقف عن وضع عراقيل في طريق وصول اللقاحات إليها.

تنديد برفض «الكرم الصيني»

منذ رفض تايوان للعرض الصيني، تتالت الهجمات في وسائل الإعلام الصينية، ومن بعض الشخصيات السياسية في الداخل التايواني حتى، على هذا القرار، باعتبار أنّ تايوان تقوّض عملية التلقيح، وتفرّط في صحة مواطنيها، لأسباب سياسية.

في السياق، أفادت صحيفة «بلومبرغ» بأنّ الإدارة التايوانية تصدّت، الأسبوع الماضي، لمحاولات بعض المسؤولين المحليين للحصول على لقاحات «فايزر» مباشرة من الشركة الصينية «فوسن».

ومن ضمن هؤلاء المسؤولين، الرئيس السابق لحزب «كومينتانغ» السياسي في تايوان، هونغ هسيو تشو، الذي هاجم قرار الإدارة قائلاً: «في هذه اللحظة، أصبحت الأرواح على المحك. ومع احترامنا لحكومة تساي، علينا القول إنّ العدو الحقيقي هو الفيروس، لا الصين القارية». يشار إلى أنّ الرئيسة التايوانية تنتمي إلى الحزب التقدّمي الديموقراطي في تايوان، المعروف بعلاقته الأكثر عدائية مع بكين، من حزب «كومينتانغ»، بحسب صحيفة «فورتشين».

وتلفت الصحيفة أيضاً إلى أنّ عرض بكين لتزويد تايوان باللقاحات كان الموضوع الأكثر انتشاراً على محرّك البحث الصيني «بايدو»، الثلاثاء الماضي، إذ تساءل العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي عن سبب رفض تايوان لهذا «الكرم الصيني».

أمّا الصحيفة الصينية «غلوبال تايمز»، فسلطت الضوء على بعض السكان التايوانيين، والشخصيات السياسية، التي تحضر إلى الصين بهدف تلقي اللقاح الصيني، أو شراء لقاحات مصنعة فيها، بسبب «فشل بلادهم في تأمنيه لهم»، دون الحصول على إذنٍ من بلادهم حتى، على حدّ تعبير الصحيفة.

في الإطار، نقلت «غلوبال تايمز»، عن الرئيس السابق لـ«حزب تايوان الجديد»، المؤيد للتوحيد، يوك مو - مينغ، قوله: إنّ «المجيء إلى الصين لتلقي لقاح مضاد لكورونا أصبح من ضمن الاعتبارات الرئيسية للعديد من سكان تايوان، نظراً إلى الحالة الوبائية الخطيرة ونقص اللقاحات في بلادهم».

كما أجرت الصحيفة حديثاً مع تشانغ يا-تشينغ، مدير مدرسة «سان يات-سين»، الواقعة في تايوان، والتي قبلت الحصول على منحة صينية، تضمّ 5 ملايين جرعة من لقاح «كورونا» من شركة «فوسن» في شنغهاي، إضافة إلى 5 ملايين لقاح من شركة «سينوفارم» الصينية.

على إثره، أكد تشانغ للصحيفة أنّه يأمل، مع ارتفاع عدد الوفيات، أن تستنتد أحكام سلطات بلاده إلى النزعة الانسانية، وأن لا تتدخل في مسألة اللقاحات بناءً على اعتبارات سياسية، لافتاً إلى أنّه يتمنى أن تتمكن الإدارة الحالية «من الموافقة سريعاً على إدخال هذه الدفعة من اللقاحات، لإنقاذ حياة الناس».

ولم توفّر الصحيفة الصينية الولايات المتحدة أيضاً، إذ اعتبرت أنّ «الأصوات المتطرفة فيها ساهمت في تفاقم التوترات في مضيق تايوان، معززة احتمال وقوع مواجهات عسكرية حتى. إلا أنه فيما يكافح شعب تايوان في معركته ضدّ الوباء، لم تقدّم الولايات المتحدة، الشريك المزعوم الموثوق للجزيرة، جرعة لقاح واحدة لها». وأضافت: «إنّ ما يخيب أمل شعب تايوان، هو أن الولايات المتحدة لا تبدو حتى في عجلة من أمرها لإيصال اللقاحات».