وفي صحيفة «جمهورييات»، أيضاً، يكتب النائب مصطفى بالباي من «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، أن الضباب لا يزال يلفّ حقيقة ما جرى في كازاخستان، معتبراً في الوقت ذاته أن «الأسباب التي تدفع فئات من الناس للخروج هي أيضاً أسباب حقيقية». وينتقل بالباي إلى الحديث عن موقف تركيا، متسائلاً: «لماذا اكتفى الروس، الذين أخذوا معهم إلى كازاخستان ضمن قوّة التدخّل الجماعية، 70 جندياً أرمينياً، بدبلوماسية الهاتف مع تركيا؟». ويجيب بأنه «بعدما انجلى غبار تفسّخ الاتحاد السوفياتي، ظهرت إلى الساحة مجموعة دول العالم التركي. وبدأت لاحقاً تنعقد قمم رؤساء الدول التركية. لكن حزب العدالة والتنمية لم يكن ينظر بحرارة إلى هذه القمم. وفي عام 2009، تأسّست منظمة الدول التركية، بمبادرة من الرئيس الكازاخي نور سلطان نزار باييف. لكنّ أوزبكستان وتركمانستان لم تشاركا في هذه المنظمة، وفي عام 2019 انضمّت أوزبكستان، ولا تزال تركمانستان تكتفي بدور المراقب في المنظمة».
كازاخستان لا تزال علبة مقفلة أمام تركيا، ولا سيما في المجال الاجتماعي
ويضيف بالباي أن انطباعاته عن هذه الدول، خلال جولاته فيها كصحافي، كانت أنها «انفصلت بدنياً عن روسيا، لكنها لا تزال مرتبطة بها روحياً»، لافتاً إلى أن «الصين أيضاً تُوسّع وتُعزّز حضورها في تلك المناطق، فيما الولايات المتحدة تعتمد على مؤسّسات فتح الله غولن لتزيد نفوذها هناك»، متابعاً أن «السعودية وإيران دخلتا في حلبة منافسة بينهما على قاعدة الإسلام السياسي. أمّا تركيا، فقد عملت على مأسسة علاقاتها تدريجياً ضمن مشاعر الأخوّة الكبيرة، لكن جهودها كانت بطيئة». وفي السياق، ينقل بالباي عن مسؤول كازاخي قوله، قبل أيام، إن «الولايات المتحدة لها خمس مؤسّسات تقوم بأبحاث عن كازاخستان وآسيا الوسطى، بينما للصين ستّ مؤسّسات. أمّا تركيا، فعلى حدّ علمه، ليست لها أيّ مؤسّسة أبحاث». كذلك، ينقل عن المختص التركي بشؤون اللغات، أحمد بيجان أرجيلاسون، قوله إن «النزعة القومية التركية لها في آسيا الوسطى قاعدة عريضة، لكن تأثير نُخبها معدوم»، واعتباره أن «هذا يدفع إلى القول إن تركيا لا خطّة لها هناك وإنها مجرّد جزء من مخطّطات الآخرين».
ويورد بالباي، نقلاً عن مسؤول كازاخي، أن «سيطرة 20 ألف شخص مسلّح على المؤسسات الاستراتيجية في ألماتي بهذه السرعة، لا علاقة له البتّة بالزيادة على أسعار الغاز الطبيعي»، موضحاً أن «من بين المقارّ المستهدفة من الهجوم ستّ وسائل إعلامية، وهذه مختارة بعناية، وأن مسؤولين في الدولة أظهروا نقاط ضعف، من خلال عدم توقّع الأحداث، وأن اختيار ألماتي هدفاً للمهاجمين ليس سدًى، فهذه المدينة هي إسطنبول كازاخستان، 40% من الاقتصاد فيها، وكذلك 70% من التجارة». ومن هذا المنطلق، يرى الكاتب أن «قوة التدخّل العسكرية بقيادة روسيا لم تكن لمجرّد التدخّل، بل لحماية المؤسسات المهمّة والاستراتيجية والغنية».
من جهته، ينتقد الكاتب المعروف، حسن بصري يالتشين، في صحيفة «صباح»، النُّخب التركية، التي تستقي، بحسبه، معلوماتها عن كازاخستان من المصادر الروسية أو الغربية. وبرأيه، فإن «هذه مشكلة كبيرة». ويَعتبر يالتشين أنه «من اللافت ألّا يَصدر صوت من نور سلطان نزار باييف، على رغم أنه كان الرجل المطلق خلال الثلاثين سنة الماضية»، لافتاً إلى أن «الرئيس توكاييف بادر إلى إقالة نزار باييف من منصبه في رئاسة مجلس الأمن القومي». ويشير إلى أن «تركيا عرفت بهذا التباين، فقط من خلال بيان الرئاسة الكازاخية»، جازماً في الوقت ذاته أن «الاحتجاجات لم تكن بسبب الغلاء، بل بتحريض من جهات خارجية». وفي هذا الإطار، يتساءل: «هل هي روسيا أم الصين أم الغرب؟». ويجيب: «للوهلة الأولى يمكن إلقاء المسؤولية على الدول الغربية، لكن في دولة مثل كازاخستان لا يمكن استبعاد أن تكون روسيا هي المحرّك وهي المتدخّل». ويختم يالتشين بالقول إن «كازاخستان لا تزال علبة مقفلة أمام تركيا، ولا سيما في المجال الاجتماعي».