قازان | أحيت جمهورية تتارستان الروسية مناسبة مرور 1100 عام على دخول الإسلام رسمياً إلى منطقة بولغار في حوض الفولغا الذي حصل على يد الرحالة ابن فضلان، الذي أرسله الخليفة العباسي المقتدر بالله عام 922 نزولاً عند رغبة وفد من بولغار الفولغاى (أصول التتار الحاليين) الذين زاروا الخليفة في عام 921 وطالبوه بأن يرسل معهم من يعلّم من ورائهم الإسلام وأحكامه، بينما كانوا محاطين بشعوب وقوميات وثنية، من الروس والسلاف وغيرهم من شعوب نهر الفولغا حتى قبل اعتناق القيصر فلاديمير النصرانية واعتمادها في عام 982.
هذا الحدث التاريخي للمسلمين الروس، وخاصة القومية التترية، أقرّه الرئيس فلاديمير بوتين عيداً قومياً في روسيا، واعتاد المسلمون التتار وغيرهم من مسلمي روسيا الاحتفال كل عام بزيارة المحمية والمواقع الأثرية الشاهدة على انتمائهم في منطقة بولغار الفولغا التي تحوّلت إلى محجٍ ثانٍ يقصدونه من كل المناطق وأقاليم الاتحاد الفدرالي.


وتزامناً مع الذكرى، أحيت المنطقة سلسلة فعاليات استمرت لثلاثة أيام من 19 حتى 21 من أيار الحالي، أهمها قمة قازان الدولية الاقتصادية في دورتها السنوية الثالثة عشرة واجتماع مجموعة الرؤية الاستراتيجية لروسيا والعالم الإسلامي التي حضرها ممثلو أكثر من 75 دولة و27 سفيراً معتمداً في روسيا. كما افتتحت المعارض وأطلقت عملية بناء مساجد جديدة وأزيح الستار عن الحجر الأساس لمسجد الجامع الكاتدرائي الكبير الثاني في مدينة قازان، عاصمة تتارستان، بحضور رئيس الجمهورية، رستم مينيخانوف، ونائب رئيس حكومة الاتحاد الروسي، مارات خوسنولين، المنتمي إلى أبناء قازان المسلمين التتار، ما يرمز إلى موقع القوميات المسلمة وأولها التتار في التركيبة السياسية الفدرالية الروسية.

وقد رأى بوتين، في رسالته إلى المشاركين، أن الذكرى اتجاه مهم في تاريخ الدولة وتشكيل المجتمع والشعب المتنوع والموحّد وجزءٌ لا يتجزأ من التراث العلمي والثقافي والاجتماعي الروسي. أما وفق مينيخانوف، فقد سمحت كل هذه الفعاليات لمسلمي روسيا بأن يشهدوا على أي مستوى رسمي رفيع منذ نشأة الكيان الروسي. اعتنق أجدادهم الإسلام، الأمر الذي أتاح المجال لضيوفهم من العالم العربي والإسلامي الاطلاع عليه».

وفيما اعتمدت الإدارة الروسية على الفرقة الشيشانية كقوة ضاربة أولى «أثبتت فعاليتها ونجاحها» ولا سيما من خلال التأثير المعنوي في مسار العملية العسكرية الخاصة في الدونباس وأوكرانيا، تسعى روسيا إلى الاستفادة من علاقات مسلميها، الذين يزيد تعدادهم على 23 مليوناً وتشكل القومية التترية معظمهم، في بناء جسور التعاون الاقتصادي وتجاوز مفاعيل العقوبات الغربية عليها بالاتجاه شرقاً لبناء شراكة استراتيجية مع العالمين العربي والإسلامي. فقد أثبتت قمة قازان الاقتصادية الدولية أنه حتى الدول الخليجية الحليفة لواشنطن لم تكترث للعقوبات المفروضة على موسكو، إذ حضر مندوبون عن السعودية والإمارات والبحرين وقطر، فضلاً عن دول مؤثرة في معادلة كسر طوق العقوبات على روسيا كالهند وباكستان وتركيا وإيران والعراق وغيرها.


قمة قازان الدولية الاقتصادية

وانتهت قمة قازان الاقتصادية الدولية بنسختها الثالثة عشرة، والتي تُعَدّ منصة رئيسية لتعاون روسيا الاقتصادي مع دول العالم الإسلامي، أمس، في مدينة قازان عاصمة جمهورية تتارستان الاتحادية الروسية، والتي عُقِدت بدعم وتنظيم ورعاية المجلس الاتحادي الفدرالي الروسي وحكومة تتارستان.

وتمثّل أبرز المواضيع على جدول أعمال القمة هذا العام في الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية، ولا سيما أن روسيا تسعى إلى التوجه شرقاً في بناء علاقاتها الاقتصادية المستقبلية بعد حرب العقوبات غير المسبوقة من قبل المحور الغربي عليها قبل وبعد بدء ومع استمرار العملية العسكرية في أوكرانيا.

ومن أهم مدرجات فعاليات القمة، التمويل الإسلامي والخدمات المصرفية والمالية ودور روسيا وتفاعلها. كما يعتمد المنظمون على الدبلوماسية الشعبية والشبابية لترجمة مفاهيم القمة ومدرجاتها إلى واقع فضاء اقتصادي محصّن ضد مخاطر الهيمنة الاقتصادية الغربية. ويعدّ التركيز على معايير «صناعات الحلال» أساسياً في خلق الأسواق المشتركة. كما يأمل المشاركون خلق أجواء أكثر ملاءمة لكل أنواع الاستثمارات المشتركة بين روسيا ودول العالم الإسلامي.

وفي ظل الأوضاع الراهنة، كان لا بد من أن تهدف القمة أيضاً إلى تجاوز معوقات العقوبات على آليات التصدير والشحن وتحويل الفائض في الموارد الروسية التي أوصدت أبواب الدول الأوروبية أمامها، عبر تصديرها إلى أسواق العالم الإسلامي.

وشارك نحو 5000 شخص من 38 منطقة روسية و72 دولة، من بينهم 12 بعثة دبلوماسية، في جلسات القمة الـ 50 والفعاليات التي امتدت لثلاثة أيام، ومن أبرزها معرض «حلال إكسبو 2022»، واليوم العالمي لصناعات الحلال، إضافة إلى فعالية وداعية بمناسبة مرور 1100 عام على دخول الإسلام إلى المنطقة.

وكانت القمة قد عقدت لأول مرة عام 2009 بمشاركة منظمة التعاون الإسلامي وكانت فرصة لبناء منصة دولية لمناقشة مسائل التعاون وتنفيذ مشاريع مشتركة، إذ تهدف القمة إلى تعزيز الروابط التجارية والاقتصادية والعلمية والتقنية والاجتماعية والثقافية بين روسيا ودول منظمة التعاون الإسلامي والعالم العربي والإسلامي عموماً.

وفي نسختها من العام الماضي التي اعتمدت فكرة الاستهلاك الواعي مفكّرة رئيسية لتوجهات فعاليات القمة، شارك 4735 مندوباً من 64 دولة، إضافةً إلى 41 منطقة روسية. وعموماً، تتميز القمة بإقامة نشاطات ومعارض من أبرزها معرض «الصناعات الحلال» الذي شارك في نسخته الرابعة العام الماضي 100 شركة رائدة في هذا المجال من 8 مناطق روسية و11 دولة.