موسكو | يستمرّ القصف الروسي الصاروخي والمدفعي المكثّف على مواقع القوات الأوكرانية المتموضعة في محيط مدينة خاركوف، وذلك باستخدام صواريخ «إسكندر» و«كاليبر» المجنَّحة عالية الدقّة. والظاهر أن القوات الروسية تتطلّع من خلال ذلك إلى تحقيق هدفَين: أوّلاً، منع القوات الأوكرانية من التحرّك لتقديم الدعم لجبهات دونباس، تسهيلاً لاستكمال مهمّة السيطرة على ما تَبقّى من أراضي «جمهورية دونيتسك الشعبية»، والمتوقّع إنجازها خلال شهر أو قبل حلول فصل الخريف كحدّ أبعد؛ وثانياً، تضييق الخناق على خاركوف تمهيداً للسيطرة عليها تدريجياً. أمّا بالنسبة إلى محور سلافيانسك، فلا يزال التقدُّم الروسي بطيئاً ومحدوداً، إلّا أنه يحقّق هدفاً ثابتاً، وهو استنزاف قدرات القوات الأوكرانية في اتّجاه سلافيانسك - كراماتورسك، أي خطّ الدفاع البديل بعد سقوط خطّ ليسيتشانسك - سيفيرودونيتسك، في سيناريو مشابه لذلك الذي اتُّبع في إسقاط المنطقتَين الأخيرتَين، حيث وُضعت القوات الأوكرانية أمام خيارَين: إمّا الموت أو الانسحاب من دون قتال إلى المواقع الغربية الخلفية، وهذه المرّة قد تكون الخطوط الدفاعية البديلة خلف حدود الدونباس. وإذ يُتوقّع إعلان السيطرة على مدينة سيفيرسك خلال الأيام القليلة المقبلة، تُواصل القوات الروسية والتشكيلات الموالية لها الضغط المنتظم المتصاعد على خطّ سيفيرسك - سوليدار - باخموت، حيث سُجّل انسحاب جزء مؤثّر من القوات الأوكرانية من سيفيرسك، بما يتيح القول إن المنطقة باتت «رمادية»، إلّا أن الروس يَبْقون حذرين في دخولها تحسُّباً للأفخاخ والكمائن المتوقَّعة. أمّا المنطقة الواقعة بين سيفيرسك وسوليدار، فهي تشهد مواجهات عنيفة، على خلفية محاولة القوات الروسية خرْق الدفاعات الأوكرانية هناك، فيما تشير المعطيات إلى أن تلك القوات وصلت إلى مشارف سوليدار، وهي تدير الاشتباكات في نواحي شرق المدينة، من دون أن تتمكّن إلى الآن من التقدُّم إلى ما بعد الضواحي الشرقية، بسبب عدم اكتمال تجهيزات التشكيلات التي تتولّى عملية الهجوم، فضلاً عن إبداء القوات الأوكرانية مقاومة شرسة تمنع الروس من توسيع خطّ الهجوم في اتّجاه سوليدار، ما يتطلّب بذل المزيد من الجهد لتحقيق الخرق المطلوب.
يُتوقّع إعلان السيطرة على مدينة سيفيرسك خلال الأيام القليلة المقبلة


وعلى خطّ باخموت، سُجّلت هجمات من جنوب شرق المدينة بهدف فصل التشكيلات الأوكرانية بعضها عن بعض، وتقسيمها إلى جزءَين منفصلين. ويتركّز الهجوم المستمرّ منذ 15 تموز، على منطقتَي سيميغوري وفيرشيني بهدف قطْع هذه «الزائدة الدودية» كما يصفها الخبراء العسكريون الروس، ليتمّ عبور نهر باخموتكا فيما بعد، والوصول إلى محور سلافيانسك - كراماتورسك عبر عملية التفاف وعبور تؤمّن تنفيذ تشكيل الكمّاشة المطلوبة للسيطرة على هذا الاتجاه. أمّا في محور نوفولوغانسك، فقد تمكّنت القوات الروسية من السيطرة على قسم من ضواحي المدينة وشوارعها، بعدما ضاقت المسافة الفاصلة بينها وبين نظيرتها الأوكرانية. وبحسب المعلومات، فإن الروس يطلبون من الأوكران الانسحاب من دون قتال، ليجيب هؤلاء بأنهم مستعدّون لذلك، إلّا أن الوحدات الأوكرانية المتموضعة في سيميغوري وفيرشيني لن تسمح لهم بالانسحاب. وعليه، فقد باتت التشكيلات الأوكرانية في نوفولوغانسك في حُكم الأسيرة، وفي حال لم يُسمح لها بالخروج، فسيتطوّر الوضع إلى حرب شوارع لن تدوم طويلاً، وستكون نتيجتها لصالح القوات الروسية، التي تحاول مع هذا تجنّبها. أيضاً، تفيد المعلومات الآتية من الميدان بسيطرة الروس على منطقة كامينكا السكنية في محيط أفدييفكا، التي تحتلّ موقعاً استراتيجياً في مسار عملية انتزاع الدونباس. ومن شأن هذا الإنجاز، الذي يُعدّ تكتيكياً، تحسين مواقع التقدّم الروسي، إلّا أنه لن يكون كفيلاً بتحديد الاتّجاه الأساسي لمسار المعركة، على رغم القصف المدفعي والجوّي المتصاعد على المدينة المذكورة.
و بالانتقال إلى جبهات الجنوب، تُسجَّل هجمات أوكرانية، تحاول كييف تصديرها على أنها محاولة جادّة لاستعادة مناطق في خيرسون، ضمن سقف زمني محدّد. لكن الواقع الميداني يؤشّر إلى صعوبة تحقيق ذلك الهدف، خصوصاً في ظلّ تنفيذ القوات الروسية ضربات صاروخية ومدفعية مركّزة في اتّجاه مواقع القوات الأوكرانية المتموضعة في نيكولايف وكريفوي، بهدف إفشال محاولاتها التقدّم.