وجاءت زيارة الوزير القطري إلى طهران في ظلّ قرار واشنطن تضييق الخناق على إيران أكثر فأكثر. وأثار ازدياد مبيعات النفط الإيراني، خلال الأشهر الأخيرة، خصوصاً إلى الصين التي يبدو أنها تشكّل الوجهة الرئيسة لهذا النفط، قلق واشنطن، التي قال مبعوثها الخاص، روبرت مالي، الأسبوع الماضي، في حوار مع قناة «بلومبيرغ» التلفزيونية، إنه سيتمّ تكثيف الضغوط على بكين لوقف شرائها النفط من طهران. وتُظهر القرائن المتوافرة، لا سيما تصريحات وزيرَي خارجية إيران وقطر، أن «مخاوف وهواجس الطرفَين» التي قد لا تكون على علاقة مباشرة بالصفقة النووية، قد ألقت بظلالها على محادثات إحيائها، وحالت دون اتّخاذ «الخطوات النهائية للتوصّل إلى اتفاق». ويذهب الكثير من الخبراء إلى القول إنه طالما لم تجرَ تسوية تلك المشكلات، وطالما أن التصعيد بين إيران والغرب مستمرّ - لا سيما في شأن المزاعم حول تقديم طهران دعماً عسكريّاً لموسكو في الحرب الأوكرانية -، فإن حظوظ إحياء «خطّة العمل الشاملة المشتركة» ليست عالية. ومن جهة أخرى، فإن تشديد العقوبات الغربية المتعلّقة بحقوق الإنسان، خلال الأشهر الأخيرة، وخصوصاً عقب الاحتجاجات التي شهدتْها إيران، وسّع بدوره الهوة، وزاد من عدم الثقة بين الجمهورية الإسلامية والغرب، وتحوّلت في ذاتها إلى عقبة تعترض طريق تنشيط المسارات الديبلوماسية.
جاءت زيارة الوزير القطري إلى طهران في ظلّ قرار واشنطن تضييق الخناق على إيران
وفي هذا السياق، فإن الخلافات القائمة بين إيران و»الوكالة الدولية للطاقة الذرية» في شأن ملفّ المواقع الإيرانية الثلاثة غير المعلَنة، تمثّل إحدى العقبات الجادّة على طريق بعْث الاتفاق، والتي يبدو أن تسويتها ستكون بمنزلة التمهيد للعودة إلى الخطّة. وكان المدير العام للوكالة، رافاييل غروسي، أعلن، الأسبوع الماضي، أنه سيزور إيران في شباط لإجراء «محادثات ضرورية للغاية»، إذ ثمّة «مأزق كبير» أمام الاتفاق، لافتاً إلى أن طهران تمتلك اليورانيوم اللازم لصنْع «عدّة قنابل ذرية»، لكنّها لم تصنع أيّ سلاح لغاية الآن.
من جهتها، رأت وسائل الإعلام الإيرانية أن توجيه أميركا رسائل إلى إيران عن طريق قطر، يُعدّ مؤشّراً إلى أن الأميركيين، وعلى النقيض من مواقفهم المُعلنة في الإعلام، يبحثون عن سبيل لاستئناف المحادثات مع طهران. وكتبت صحيفة «إيران» الحكومية، أمس، «إن توجيه الرسائل إلى طهران، وبالتحديد عندما يعلن عنها حامل الرسالة في الإعلام، لا يمكن له أن ينطوي على مفهوم سوى أن واشنطن تواجه مأزقاً وضِيقاً، وهي أدركت ضرورة العودة إلى الديبلوماسية مع طهران، بخاصة أن إيران، وبسبب إيجادها طرقاً للالتفاف على العقوبات، حافظت على كميّة مبيعاتها من النفط بأعلى مستوى وبأقلّ التكاليف، وتقوم بأنشطتها النووية السلمية عند أعلى مستوى، وتعمل في ظلّ الاعتماد على تطوير العلاقات الاقتصادية في المنطقة، على جعْل نفسها في موقع لا تكون فيه جاهزة لأدنى تراجع وتقهقر أمام المطالب الأميركية المبالغ فيها في مسار المحادثات».
إلّا أنه بمحاذاة الحديث عن تناقُل الرسائل ذاك، تحدّثت مصادر غربية عن ضلوع إسرائيل في الانفجارات الأخيرة التي طاولت مصنعاً لإنتاج الذخيرة في أصفهان وسط البلاد. ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أميركيين وبعض المصادر المتخصّصة، قولها إن الهجوم الذي نفّذته «ثلاثة أجسام طائرة صغيرة» - مُسيّرات - على مجمّع تابع لوزارة الدفاع الإيرانية، كان من «فعل إسرائيل». وأضافت الصحيفة أن هذا الهجوم وقع على مقربة من موقع متعلّق بمركز للبحوث الفضائية في إيران، كانت أميركا قد شملته في عقوباتها في وقت سابق. وفي الوقت ذاته، ذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية أن الهجوم الأخير تَكلّل بـ»نجاح باهر»، وأن «الخسائر التي وقعت، هي أكثر بكثير من تدمير طفيف للسقف»، في حين تقول السلطات الإيرانية إنها أحبطت العملية، مؤكدة أن الدفاعات أسقطت إحدى المسيّرات، بينما انفجرت المسيّرتان الأخريان فوق المستودع، وألحقتا أضراراً طفيفة بالسقف.